عرض مشاركة واحدة
قديم 20-Sep-2012, 12:17 PM   #18
عضو محترف


الصورة الرمزية تغريدالمهيمزيه
تغريدالمهيمزيه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2828
 تاريخ التسجيل :  Jul 2012
 أخر زيارة : 04-Dec-2012 (05:55 AM)
 المشاركات : 333 [ + ]
 التقييم :  24
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مساابقه حبيييب الملايين لليوم الوطني



توحيد المملكة العربية السعودية وإعادة بنائها في عهد الملك عبدالعزيز
هاشم بن سعيد النعمي


مقدمــــة :
مدخــــل لا بد لنا ونحن نـــــدرس أعمال الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود الذي شمر عن ساعد الجد في إعادة بناء الدولة العربية السعودية من جديد لا بد لنا أن نوطد لهذا البحث بكلمة موجزة عن حياته الحافلة بالأمجاد علَّها تنير لنا الصُّوى لرصد البعض من أعماله البطولية الخارقة ، والمخاطر التي خاضها في سبيل إنجاح أهدافه السامية ، حيث استطاع يرحمه الله أن يعيد بناء الدولة السعودية على دعائم ثابتة من الحكمة والعدل والمعرفة والحنكة الأصيلة والسياسة المرنة، تمكن عبدالعزيز يرحمه الله من إنشاء دولة قوية على أسس حديثة ، استطاعت أن تبرز أمام العالم في المجالات الحربية والسياسية والمحافل الدولية كقوة هائلة ، وأن تلعب دوراً إيجابياً بارزاً لا يستهان به في كل المجالات.



لمحة عن مولده ونشأته :

ولد عبدالعزيــز في مدينة الرياض عاصمـــة ملك آبائه وأجداده عام 1293هـ/1876م([1]) وفي السابعة من عمره عهد به والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود إلى القاضي عبدالله الخرجي لتعليمه القرآن الكريم.

وفي العاشرة من عمره تلقى تحصيله في الفقه والتوحيد على يد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ ، وكان والده الإمام عبدالرحمن حريصاً على تعليمه ركوب الخيل والفروسية بكل معانيها فتم له ذلك في وقت مبكر([2]) ، وكان عبدالعزيز يرحمه الله يتمتع من وقت نشأته بذكاء مفرط ففي تلك الفترة المفعمة بالأحداث المؤسفة ، وقد تحالفت فيها الشدائد ضد أسرة آل سعود ، كان يرى عمومته يتنازعون السلطة بينهم ، فيحتربون في سبيل ذلك دون وفاق ، على حين كان خصمهم القوي محمد العبدالله الرشيد ينقض على الأطراف الواقعة شمال وغرب الرياض بما فيه إقليم([3]) القصيم والوشم ، وكان قد سبق أن اغتنم محمد بن عبدالله بن علي بن رشيد فرصة الخلاف الناشب بين الإمام عبدالله الفيصل من جهة وبين أبناء أخيه سعود الفيصل من جهة أخرى (محمد وسعد وعبدالله) المتمردين على عمهم ، حيث زحفوا في جموعهم من الخرج واستولوا على الرياض ، واعتقلوا عمهم عبدالله المذكور فاستنجد بمحمد بن عبدالله بن رشيد فاقتنصها فرصة مواتية([4]) ، واستنفر القبائل الموالية له لإنقاذ الإمام عبدالله من سجن أبناء أخيه ، وزحف صوب الرياض حتى إذا كان على مشارف الرياض خرج إليه من الرياض كل من عبدالرحمن بن فيصل والأمير عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل الشاب وأخوه محمد بن فيصل والشيخ عبداللطيف آل الشيخ يفاوضونه وقد أوجسوا منه خيفة على الرياض ، فأخبرهم بأن هدفه إنقاذ عبدالله الفيصل من سجن أبناء أخيه سعود الفيصل ، وعاهدهم على أن تكون الولاية في بلدهم لآل سعود فصدقوه أو كادوا([5]) ، ودخل ابن رشيد مدينة الرياض من توه وذلك سنة 1305هـ / 1888م ، ولكن ما تم بعد دخوله الرياض أن ظهر بمظهر الفاتح ، وأعطى الأمان لأولاد سعود بن فيصل الذين أجبروا عمهم الإمام عبدالله الفيصل على التنازل عن الحكم وسجنوه ، فأخرجه محمد بن رشيد من السجن ثم أرسله إلى حائل عاصمة شمر ، وألحق به بعض أسرة آل سعود ، وولى على الرياض سالم السبهان ، وكان سالم السبهان هذا معروفاً بظلمه وقسوته كما وصفه بعض مؤرخي تلك الحقبة، وصل إليه وفد من أهل الخرج متظلمين من أبناء سعود الفيصل فغدا يحسم النزاع ، وبدلاً من معالجة الشكوى بالتي هي أحسن قتل أبناء سعود الثلاثة ، فضج الناس من فظاعة تلك الجريمة([6]) ، ورفعوا إلى ابن رشيد فلم يزد على أن أبدل سالماً بعامل آخر اسمه فهاد ابن رُخَيِّص من أهل حائل، ومرض عبدالله الفيصل في حائل فأذن له ابن رشيد ولأخيه عبدالرحمن وأسرتيهما بالعودة إلى الرياض ، وقد توفى عبدالله الفيصل يرحمه الله بعد وصوله الرياض بيوم واحد في 2 ربيع الآخر عام 1307هـ / 1889م ، وكتب عبدالرحمن الفيصل إلى ابن رشيـــــد يستنـــــــجزه العهـــــد في إعادة الإمارة إلى آل سعود، فكان الجواب عزل فهاد الرُّخَيِّص وإعادة سالم السبهان في([7]) إمارة الرياض وقد حدث بين الأمير عبدالرحمن الفيصل وسالم السبهان ما دعا إلى الوثوب على([8]) السبهان المذكور فاعتقل ، وقتل عدد من رجاله كان من ضمنهم خلف الشمري الذي سبق له أن باشر قتل أبناء سعود الفيصل الثلاثة في الخرج ، وقد تولى الإمام عبدالرحمن الفيصل الأمر في الرياض وجدد أهل الرياض البيعة له وكان ذلك في 11/12 ذي الحجة عام 1307هـ / 1890م ، وعندما ترامت أخبار حوادث الرياض إلى حائل، زحف محمد العبدالله بن رشيد في جموعه صوب الرياض لكي يعالج ما حدث فيه ، وطوق مدينة الرياض بقواته ، وحاصرها شهراً ، ولم يستطع دخول المدينة فدعا أهلها إلى الصلح فتم له ذلك ، ووصل إلى مقر قيادة ابن رشيد بالرياض وفد مؤلف من الشخصيات الآتية وهم([9]) : محمد الفيصل آل سعود والشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ. وعبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (الملك فيما بعد)([10])، وبعد المفاوضات الجارية تم الصلح بين الطرفين على ما يلي :

‌أ- أن تكون إمارة العارض للإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود

‌ب- يطلق سالم السبهان من السجن.

وقــــد أطلـــق سالم السبهـــان من سجـــن الريـــاض ، ورحل مع ابن رشيـــد إلى حائـــل طبقــــاً لبنود الصلح ، وكان هــــذا الصلح بتاريخ 2 ربيع الثـاني سنة 1308هـ / 1890م.



وقعة المليداء :

يبدو أن هدف الأمير الشمري([11]) من هذا الصلح هو تخليص عامله سالم السبهان من السجن ، بعد أن عجز عن دخول الرياض ، إذ ما كاد يعود إلى حائل حتى أخذ في الاستعداد الحربي لينقض على القصيم قبل الرياض ، وزحف صوب القصيم في جيش كثيف ، واستعداد كامل ، وما كادت تترامى أخبار زحف محمد العبدالله الرشيد إلى أسماع أهل القصيم حتى أخذ أهل الحفاظ والنجدة في الاستعداد للدفاع عن البلدة ، وانضم إليهم البعض من بادية عتيبة ومطير ، والتقى الجمعان على سطح أرض تسمى القرعاء ، وذلك في أوائل شهر جمادى الآخرة عام 1308هـ / 1890م وتصاول الطرفان في معركة شعواء وثبت أهل الحفاظ من رجالات أهل القصيم ، وكان النصر في أول المعركة لأهل القصيم ، بيد أنَّ خصمهم القوي المراس الذي عرف بتفننه في خدعة الحروب اتخذ خدعة الانسحاب وتظاهر بانهزامه من أرض المعركة فتعقبه المدافعون في أسلوب هجومي ، حتى إذا كان على سطح أرض تسمى (المليداء)([12]) تقع على بعد ست ساعات غربي القصيم فاجأتهم خيل محمد الرشيد من الخلف([13]) في هجوم خاطف، فأوقعت بهم هزيمة نكراء ، وشتت شملهم ، وسقط من أهل القصيم على أرض المعركة ما بين ألف قتيل في رواية الريحاني([14]) إلى ثلاثة آلاف قتيل في رواية حمزة([15]) منهم زامل بن عبدالله السليم أمير عنيزة ، وابنه علي ، بينما قتل من جيش الرشيد نحو أربعمائة قتيل على أرض المعركة.

كان الإمام عبدالرحمن الفيصل قبل وقعة (المليداء) قد حشد قوة من أهل العارض، وزحف بها في اتجاه إقليم القصيم لصد هجوم ابن رشيد الذي بات وشيكاً من القصيم ، بيد أنه ما كاد يصل خفس العرمة – الواقع على بعد مائة وخمسة عشر كيلاً عن الرياض في الاتجاه الغربي الشمالي – حتى وافته الأخبار بانتهاء معركة (المليداء) ، فَكَرَّ راجعاً إلى الرياض وتفرق جنده عنه ، وأدرك أن محمد العبدالله الرشيد زاحف لا محالة إليه في الرياض.

وفي الوقت الذي لم تعد فيه المقاومة مجدية أمام خصم تمكن من الاحتفاظ بالمبادرة على حين كانت القبائل بطبيعة الحال تنضم إلى الجانب الأقوى لاعتبارات عديدة منها الطمع في الأسلاب ، ومنها الخوف من بطش الجانب الأقوى فيما لو تحقق ظفره إلى غير ذلك من الاعتبارات([16]).



انتقال الإمام عبدالرحمن الفيصل من الرياض إلى الكويت :

وأمام هذه الظروف العصيبة لم يجد الإمام عبدالرحمن مناصاً عن الهجرة من الرياض([17]) في جميع أسرته بما فيهم نجله عبدالعزيز البالغ من العمر اثني عشر عاماً وقيل خمسة عشر عامــــاً ، وقد شاهد عن كثب محنة والده الإمام عبدالرحمن وأسرة آل سعود تعايش الأمرّين تحت وطأة تلك الظروف القاسية ، وكانت أول محطة له في البادية حول مضارب آل مرة المنتشرة على حافة رمال الربع الخالي من الشمال على مقربة من واحة يبرين([18]) ، حيث كان يتجمع حولها فئام من قبيلتي آل مرة والعجمان لما بين القبيلتين من وشائج القربى ، حيث كلتاهما تنتمي إلى قبيلة يام الكبرى في نجران، وقد مكث الإمام عبدالرحمن بتلك البادية مدة ليست بالقصيرة لكي يستطلع أخبار عاصمة ملكه التي كانت وما زالت تتعرض لأنواع القسوة والاضطهاد ، وكان يهمه بالدرجة الأولى الحصول على مأوى مريح لأفراد أسرته سيما الأطفال([19]) والنساء الذين لا قدرة لهم على الحياة في البادية الغير مألوفة لأمثالهم ، وقد رحب بهم أمير البحرين ضيوفاً في بلده بعد سفارة قام بها نجله عبدالعزيز بن عبدالرحمن ، وعندما اطمأن على أسرته عاوده النزوع إلى امتشاق الحسام ، ومصاولة خصومه فجمع أنصاره من البادية فاجتمع حوله عدد غير قليل منهم من كان يصحبه من رجاله ، وكان منهم إبراهيم بن مهنا الصالح من آل (أبا الخيل).



معركة الدلم :
في سنة 1309هـ / 1891م([20]) زحف صوب العاصمة الرياض فاستولى على الدلم قاعدة الخرج التي تقع على بعد ثمانين كيلاً جنوب الرياض ، وطرد من كان بها من أتباع ابن رشيد ، ثم اتجه صوب مدينة الرياض فدخلها سلماً دون قتال حيث كان قد نصب بها ابن رشيد محمد بن فيصل بعد خروج أخيه الإمام عبدالرحمن ، ومن الرياض زحف بجموعه صوب المحمل ، ونزل بحُرَيْملاء التي تقع على مرحلتين شمال الرياض بِمَيْلٍ للغرب ، وعلم ابن رشيد بدخول الإمام عبدالرحمن الرياض ثم زحفه منه بجموعه صوب المحمل ؛ فأسرع في جيشه من حائل لملاقاته وعلى أرض حريملاء ، اشتبك الجيشان في معركة شعواء ، وأخيراً انهزم جمع الإمام عبدالرحمن بعد سقوط عدد غير قليل من رجاله ، من بينهم إبراهيم بن مهنا أبا الخيل ، ودخل ابن رشيد مدينة الرياض فهدم سورها وبعض قصورها ، وأحرق البعض من أشجارها ، وأبقى محمد ابن فيصل أميراً عليها ، ثم عاد إلى حائل([21]).

أما الإمام عبدالرحمن فقد كَرَّ راجعاً إلى مخيمه([22]) في البادية واجتمع به نجله عبدالعزيز ، ومن البادية اتجه وصحبه ونجله عبدالعزيز صوب قطر ليحل ضيفاً على أمير قطر قاسم([23]) بن علي آل ثاني ولم تطل مدة بقائه في قطر على ستين يوماً ، حيث انتقل إلى البحرين وأخيراً استقر به المطاف في الكويت عاصمة آل الصباح ، وكان بصحبة أنصاره وأفراد أسرته([24]).

وفي الوقت الذي وصل فيه الإمام عبدالرحمن وأسرته إلى الكويت كانت عاصمة الكويت ميداناً لصراعات سياسية بين أربع دول كبرى الإنكليز والروس والألمان والعثمانيين ، فالألمان يحاولون مع تركيا مد خط حديدي من برلين عبر تركيا فالعراق إلى الكويت بينما يحاول الروس في نفس الوقت بل يسعون جاهدين للوصول إلى مياه الخليج بأي شكل من الأشكال ، والأخطبوط الإنكليزي الهائج الرابض في مياه الخليج يعارض الآخرين بل ويتطلع إلى احتلال العراق الذي بات وشيكاً منه([25]) ، وفي ذات الوقت كان لا يخفى على الأمير السعودي عبدالعزيز بن عبدالرحمن ما يجري في فلك السياسة الدولية في ذلك المحيط المفعم بالمتناقضات ، إذ لم يكن – يرحمه الله – من أولئك الذين يستكينون إلى الراحة والدعة ، فقد كان مدة بقائه في الكويت يتابع أخبار الصراع القائم بين أقطاب الاستعمار([26]) في منطقة الخليج ، ويتتبع باهتمام مساعي كل منهم السياسية والاستعمارية ، ويختزن الكثير من تلك الأساليب الاستعمارية لكي يستفيد منها فيما ينتظره من الأحداث المستقبلية([27]).

عندما بلغ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود العشرين من عمره تجسدت الأحداث التي عاصرها في نفسه ، والتي كانت تهمه ، سيما الأوضاع التي تعيشها أسرته في الكويت بعيداً عن عاصمة ملك آبائه وأجداده الرياض ، بعد أن كانوا سادة نجد ، ولهذا قرر الهجوم على العاصمة الرياض([28]) وإقصاء الوجود الرشيدي عنها ، فإما أن يفوز بالنصر وإما أن يستريح من معاناة الحياة ، وأفضى إلى والده الإمام عبدالرحمن بما عزم عليه ، فأقره والده على نفس الفكرة.

كما رحب أمير الكويت مبارك الصباح بتلك الخطوة الجريئة ، ورأى أن فيها بالنسبة إليه متنفساً للتقليل من ضغط عبدالعزيز الرشيد عليه بعد هزيمته في موقعة الصريف([29]).



معركة استعادة الرياض([30]) :

خرج عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل من الكويت في اتجاه الرياض في قلة من أنصاره ، لا يتجاوز عددهم أربعون مقاتلاً من أقطابهم : أخوه محمد بن عبدالرحمن ، وابن عمه عبدالله بن جلوي ، وعبدالعزيز بن مساعد ، بعد أن أمده مبارك الصباح أمير الكويت ببعض الركائب والأسلحة والنقود والأرزاق لكي يستفيد منها في إنجاح خطته الجريئة([31]) ، بيد أن عبدالعزيز – يرحمه الله – لا يستعجل الأمور قبل أوانها فقد أمضى في سبيل خطته التي كللت بالنجاح بعد أن خرج من الكويت مدة ليست بالقصيرة ، متخذاً من واحة (يبرين)([32]) منتجعاً لتطلعاته ، ومنطلقاً لتنفيذ أهدافه ، وتقع هذه الواحة على حافة رمال الربع الخالي من الشمال على بعد 160 ميلاً جنوب الأحساء بميل إلى الغرب ، وعلى بعد 175 ميلاً شرقاً عن الرياض بميل إلى الجنوب ، وقد انضم إلى الأربعين عشرون شخصاً من أتباع آل سعود ، وبهذا تم عدد رفاق الخطة ثلاثة وستين مقاتلاً وعندما ذاع خبر خطة عبدالعزيز في البوادي المجاورة لواحة (يبرين) ، وأنه يريد الغزو توافدت عليه جموع من آل مرة والعجمان وسبيع([33]) والسهول ممن يريد الأسلاب، حتى إذا توفر لديه قدراً كافياً انطلق بهم يغزو عُرْبَان قحطان ومطير وغيرهم ممن كان موالياً لابن رشيد ، وكان عبدالعزيز بن رشيد يومها مخيماً في الحفر ما بين القصيم والكويت بعد وقعة الصريف ، ويبدو وكأنه يريد الكرَّة على الكويت بعد النصر الساحق الذي أحرزه في وقعة الصريف على ابن الصباح وأحلافه ([34])، غير أن أخبار غارات عبدالعزيز ورفاقه على عربان نجد أقلقت ابن رشيد ، فكتب إلى حكومة البصرة التابعة للعثمانيين يلفت النظر إلى استفحال أمر عبدالعزيز بن سعود ، ويحذر من خطره على الوجود العثماني ، واقترح إبعاده عن نواحي الأحساء ، فنفذت هذا الاقتراح ، ومنعته أن يتموّن هو ومن معه من المنطقة فتفرق من كان قد انضم إليه من البادية ، ولم يبق حوله سوى الثلاثة والستين المرابطين معه ، بينما قطعت الدولة العثمانية (معاش) والده الإمام عبدالرحمن ، وفي ذات الوقت كتب الإمام عبدالرحمن بالاشتراك مع أمير الكويت مبارك الصباح إلى عبدالعزيز يدعوانه إلى الكف عما هو فيه والعودة إلى([35]) الكويت ، فانبرى يتفقد رجاله في واحة يبرين ، فلم ير إلا من كان صحبه يوم غادر الكويت ، فجمعهم حوله وقرأ عليهم كتاب والده والشيخ مبارك ، ثم قال : " لا أزيدكم علماً بما نحن فيه ، وهذا كتاب والدي يدعونا للعودة إلى الكويت قرأته عليكم، ومبارك ينصحنا بالعودة ، أنتم أحرار فيما تختارونه لأنفسكم ، أما أنا فلن أُعَرِّضْ نفسي لأكون موضع السخرية في أزقة الكويت ، ومن أراد الراحة ولقاء أهله والنوم والشبع فإلى يساري إلى يساري([36]). فتواثب الثلاثة والستون المحدقون به إلى يمينه ، وأدركتهم الأنفة والعزة ، وصاحوا مقسمين على أن يصحبوه إلى النهاية ، والتفت عبدالعزيز إلى رسول والده ، وكان حاضراً مشاهداً لما وقع ، وقال له : " سلم على الإمام وخبّره بما رأيت ، واسأله الدعاء لنا ، وقل له موعدنا إن شاء الله في الرياض"([37]).

بعد أن أخذ عبدالعزيز أيمان البيعة من رفاقه بمناصرته حتى النهاية ، انطلقوا من واحة (يبرين) ، وذلك في 20 من شهر رمضان عام 1319هـ ، وأدركه العيد في موقع يقال له أبو جفان من الشرق فعيّد فيه ، وفي ليلة الثالث من شهر شوال رحل في اتجاه الرياض ، حتى إذا وصل ضلع الشقيب([38]) (تصغير شقب) على بعد ساعة ونصف للراجل ، أناخ الركائب وترك عندها ثلاثة وعشرين رجلاً من رفاقه ، وهناك أعطاهم تعليماته التي تنص بأنّ عليهم العودة إلى الكويت إذا لم تصلهم تعليمات مخالفة خلال أربع وعشرين ساعة القادمة([39]).

ثم تقدم بالأربعين مقاتلاً مشياً على الأقدام في اتجاه المدينة ، وكان فيهم أخوه محمد ابن عبدالرحمن ، وابن عمه عبدالله بن جلوي ، وكانت الثالثة ليلاً عربي – التاسعة زوالي ) ، وعندما وصل شرقي الرياض ترك أخاه محمد في طرف النخيل ، وترك معه ثلاثة وثلاثين مقاتلاً ، وتقدم في اتجاه قصر المصمك في سبعة من المقاتلة ، وقال لأخيه ورفاقه إذا لم يصل إليكم منا رسول غداً ، فأسرعوا إلى النجاة ، واعلموا أننا قد استشهدنا في سبيل الله.

تمكن عبدالعزيز ورفاقه السبعة([40]) من الاقتراب إلى حصن المصمك ليلاً لمحاولة معرفة المكان الذي يبيت في عجلان بن محمد ( أمير حامية ابن رشيد ) ، إذ ليس لديهم معرفة عن مكان مبيته ، بينما كان المعروف عن المنصوب من قبل ابن رشيد على الرياض وحاميته اعتصامهم ليلاً بحصن المصمك ، بيد أن إحدى زوجات عجلان وأسمها لؤلؤة بنت حماد من أهل الرياض تسكن في أحد المنازل المحيطة بالمصمك ، وكان من([41]) ضمن البيوت المحيطة بالمصمك بيت لفلاح اسمه جويسر (تصغير جاسر) يعرفه عبدالعزيز ويعرف بعض نسائه ، إذ كن خادمات لآل سعود سابقاً ، فطرق باب بيت جويسر في وقت متأخر من الليل ، فحصلت مشادة كلامية من بعض نساء البيت اللواتي لم يعرفن عبدالعزيز استنكاراً لطرق الباب ([42]) في وقت متأخر من الليل ، ثم فتح جويسر الباب فتقدم إليه عبدالعزيز ومسكه ، وقال له أسكت وإلا واجهت حتفك، فلزم الصمت ، بيد أن جويسراً فرّ خلسة من عبدالعزيز ، واعتصم بضلع البديعة ( تقع البديعة غرب الرياض وهي مشهورة )، ثم دخل عبدالعزيز بيت جويسر، فلما شاهدنه النسوة صاح بعضهن وقد عرفنه : " عمنا .. عمنا عبدالعزيز " فأمرهن بالصمت ، ثم تقدم رفاقه ، وجمعوا من في البيت في غرفة واحدة ، وأغلقوا عليهن الباب ، وكان على عبدالعزيز أن يجتاز البيت الثاني المجاور لبيت جويسر لكي يصل إلى منزل تقيم فيه إحدى زوجات عجلان ، واسمها لؤلؤة بنت حماد من أهل الرياض ، وكان زوجها عجلان يبيت عندها أحياناً ، وقد تسلق([43]) عبدالعزيز جدار البيت المجاور، مستعيناً بجذع نخلة مقطوعة وقد وجد فيه رجلاً وزوجته نائمين ، فلفهما في فراشهما، فاستيقظا فهددهما إن تكلما، ثم حُمِلاَ إلى إحدى الغرف وأغلق الباب عليهما ([44])، وكان رفاقه السبعة متابعينه أثناء هذه العملية حذو القذة بالقذة ، وبهذا الإجراء الحازم([45]) بات الوصول إلى المنزل الذي كان يأمل عبدالعزيز أن عجلان فيه لدى زوجته لؤلؤة ، وخشية من أن تنشب معركة بين عبدالعزيز ورفاقه من جهة وبين عجلان من جهة فيما لو وجد عجلان عند زوجته ، أرسل إلى أخيه محمد يستحثه ومن كان معه للتقدم إليه ، فدخلوا متسللين وتقدم عبدالعزيز ورفاقه السبعة([46]) الملازمون له، فاقتحموا منزل لؤلؤة ، وفتشوا غرفه ، فوجدوا في إحداها نفرين نائمين في فراش واحد وكان أحد رفاق عبدالعزيز يحمل شمعة للتثبت عن عجلان ، وكان عبدالعزيز لا يشك في أن النائمين هما عجلان وزوجته فاقبل عليهما مصوباً بندقيته ، وكانت معبئة ، وكان إلى جانبه حامل الشمعة فرفع الغطاء فإذا هما امرأتان فأيقظهما ، فجلستا دون خوف ، وكانت لؤلؤة زوجة عجلان والأخرى أختها زوجة أخيه ثم نظرت لؤلؤة إلى عبدالعزيز فعرفته " عبدالعزيز "

0 قال نعم([47])

0 ماذا تبغي؟

0 زوجك

0 إن رأوك قتلوك

0 ما عليك مني أين عجلان؟

0 هنا في القصر وأشارت إلى المكان الذي هو فيه

0 متى يخرج؟ ([48])

0 بعد طلوع الشمس

0 وقطع الحديث ثم أمرها بالصمت هي ومن في البيت ، وأشار إلى رجاله بجمعهن في غرفة واحدة وإيصاد بابها.

وكان بين بيت لؤلؤة والبيت الذي نفذ منه إلى بيت لؤلؤة باب فأزيل ، فدخل بقية الأربعين وجلس الجميع في البيت في انتظار لحظة طلوع الشمس كي يطلع عجلان([49]).

وكان الوقت يقرب من الفجر (الساعة الثامنة عربية) الثانية بعد نصف الليل ، وقام عبدالعزيز يرحمه الله بشرب القهوة ، ثم أخذ الرفاق في النوم لمدة ساعة قبل طلوع الفجر ثم قاموا جميعاً لحظة طلوع الفجر ، فأدَّوا الصلاة بإمامة عبدالعزيز يرحمه الله ، ثم أخذ الكل في الابتهال إلى الله عز وجل والتشاور فيما يجب اتخاذه في تلك اللحظات الحرجة سيما عند ظهور عجلان من القصر بعد طلوع الشمس ، وبدت لهم فكرة سؤال النسوة من الذي يفتح الباب للأمير حين مجيئه هنا فقلن فلانة ، فألبسوا رجلاً منهم لباس تلك المرأة ، وقال له : " عبدالعزيز إذا دق عجلان الباب فافتح له ليدخل علينا"([50]).

ثم بدا لعبدالعزيز ورفاقه رأي جديد هو أن يخرجوا من مكمنهم ، ويقتحموا القصر فيفاجؤوا الأمير فيه ، فنزلوا وأخبروا أصحابهم بما اتفقوا عليه([51]).



معركة المصمك :
انطلق عبدالعزيز من بيت لؤلؤة وانطلق معه نحو خمسة عشر رجلاً ، غير أن عجلان كان أثناء نزولهم من مكمنهم قد نزل هو من القصر ، وخرج من البوابة ، ومعه عشرة من رجاله ، واتجه إلى البيت الذي خرج منه عبدالعزيز ورفاقه ، وتوقف عجلان لحظة خروجه من باب القصر يستعرض الخيل التي في ساحة القصر([52]).

وما كاد عبدالعزيز يبعد عن رفاقه عدّة خطوات متجهاً إلى القصر حتى شاهد عجلان وهو ينظر إلى الخيل ، والتفت عجلان فرأى عبدالعزيز بارزاً أمامه في ساحة القصر ، فهجم كلاهما على صاحبه وكان عبدالعزيز يحمل بندقية ذات حبة واحدة بينما كان عجلان يحمل سيفاً ، وقد شهره على عبدالعزيز فأطلق عبدالعزيز النار من بندقيته على عجلان فأصابته في غير مقتل ، فسقط السيف من يده فكرَّ راجعاً يريد باب القصر فلحق به عبدالعزيز عدواً على الأقدام فأدركه عند الباب ، فمسك برجليه وجرّه بشدة ، فتعلق بالباب ، وكان معه عبدالعزيز فهد بن جلوي فرمى عجلان بحربته فأخطأته ولكنها استقرت في الباب وكان الباب من خشب فَنَشِبَتْ فيه ، وفيما كان عبدالعزيز في عراك مع عجلان على الباب وكزه عجلان برجله على جنبه فأوجعته ، وانفلت عجلان من قبضة عبدالعزيز ، وأراد عبدالعزيز اللحاق به داخل القصر فاعترضه بعض رجاله([53]) ، فاندفع وراءه عبدالله بن جلوي ودخل القصر والنار تنهال عليه من المدافعين ، فأطلق على عجلان رصاصة من بندقيته فأصابته في مقتل فخر صريعاً ، وقضى نحبه ، وصاح عبدالعزيز في رجاله يستفزهم ، فاقتحموا القصر بعد أن قتل منهم اثنان وجرح أربعة ، والرصاص كان ينهال عليهم([54]) من القصر ( من المدافعين ) ، أما رجال عجلان العشرة الذين كانوا معه لحظة خروجه من القصر فقد كَرُّوا راجعين إلى القصر تاركين عجلان في المعركة([55]).

وقد انتقلت المعركة إلى داخل القصر ، وانتهت بسقوط حوالي اثنين وثلاثين قتيلاً وتردي أربعة من فوق شرفة القصر ، واستسلم الباقون فأمنهم عبدالعزيز على أرواحهم.

وبعد سقوط القصر في يد عبدالعزيز ، وقتل عجلان وبعض رجاله ، واستسلام الباقي في قبضة عبدالعزيز (نادى المنادي المُلْك لله ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن) وكان ذلك في صبيحة الخامس من شوال 1319هـ / 1902م وتطاير خبر الوقعة في مدينة الرياض ، فخرج الناس مهللين ومكبرين فرحين بسقوط الرياض في يد عبدالعزيز بعد مقاساتهم الكثير من الاضطهاد في ظل الحكم القاسي الذي كان يمارسه حكام آل الرشيد ضدهم([56]).


سقوط الرياض في قبضة الإمام عبدالعزيز :
بعد سقوط الرياض وإقصاء الوجود الرشيدي منه خضعت تلقائياً المناطق الواقعة جنوب الرياض لسلطة عبدالعزيز ، والتي تجمع الخرج والدلم والحوطة والأفلاج ووادي الدواسر ، وكتب إلى والده يخبره بسقوط الرياض في قبضته والتفاف أهل الرياض حوله ويستحثه للقدوم إلى الرياض لكي يستلم دفة الأمر في الرياض ، ويتفرغ هو في ميدان الحرب ومنازلة ابن رشيد ، وتصفية وجوده في نجد([57]).

فتلقى الإمام عبدالرحمن الفيصل النبأ بسرور عظيم ، وفرحة عارمة ، واستجاب الدعوة ، وغادر الكويت عاصمة آل الصباح بعد أن ودع أميرها مبارك الصباح ليعود إلى الرياض عاصمة بلاده ، سالكاً طريقاً غير مطروقة تجنباً من أن يعلم به عبدالعزيز الرشيد ، إذ لا زال مسيطراً على نجد عدا العاصمة الرياض ، وخرج ابنه عبدالعزيز من الرياض في خمسمائة خيال لمقابلته مخترقاً رمال الدهناء الصعبة وعلى مرأى العين شاهد قافلة والده وهي تجوب الرمال ، فانطلق على صهوة جواده حتى وصله فقبل يديه ، وقدم له الطاعة باعتباره إماماً وأميراً للبلاد([58]).

ومن موقع اللقاء استأنف الجميع السير ليلاً إلى الرياض فوصلوا بسلام ، وبعد استراحة قصيرة من وعثاء السفر استقبل بعدها الإمام عبدالرحمن الفيصل وفود العاصمة الذين توافدوا عليه للسلام والتهنئة.


البيعة لعبد العزيز([59])

وفي سنة 1320هـ/ 1902م دعا الإمام عبدالرحمن الفيصل زعماء العاصمة وعلماءها وشيوخها إلى حضور الاجتماع الذي سيعقد في ساحة المسجد الكبير بالرياض بعد صلاة الجمعة ، وأعلن في الاجتماع نزوله عما له من حقوق في الإمارة لابنه عبدالعزيز ، وفي أثناء ذلك ألقى عبدالعزيز خطبة بليغة أكد فيها أنه سيكون المناضل القوي في([60]) سبيل عقيدة التوحيد ، ثم بايعه الجميع أميراً على نجد وإماماً لأهلها ، وأهداه والده سيف سعود الكبير([61]).

اضطلع الإمام عبدالعزيز بالأمر بما عرف عنه من حزم وقضاء ، وقبل أن ينازل عبدالعزيز بن رشيد في ميادين القتال، وقام بإعادة بناء السور الذي كان قد هدمه محمد الرشيد سابقاً ، وتحصين القلاع المحيطة بالرياض ، وتفقد أحوال البلد ، ولم يكترث عبدالعزيز بن متعب بما حدث في الرياض إذ كان قد انتصر في وقعة الصريف على خصمه مبارك الصباح ، وشتت جيشه ، وكاد أن يدخل الكويت لولا أن مبارك الصباح اتصل بأحلافه الإنكليز الذين كانت قواتهم تجوب مياه الخليج ، فأسرعوا بإرسال طراد مجهز بالذخيرة الحربية إلى مياه الكويت ، وأخذ يقذف بنيرانه في اتجاه مواقع الجيش الرشيدي الذي انتقل إلى الحفر غربي الكويت بعد معركة الصريف ، لهذا نراه ينصرف بقواته إلى مقره في حائل ليعد العدة لمواجهة([62]) الأخطار التي أخذت تهدد كيانه في نجد ومن وقت عودته إلى بلاده أخذ في إعداد القوة للدخول في صراع مع خصومه لمعالجة جراحه التي أصابته في الصميم بعدما فقد وجوده في الرياض([63]).

ومن حائل أقبل زاحفاً في جموع كثيرة ماراً بالقصيم ثم سدير ثم الوشم حتى وصل إلى المحمل فعسكر على ماء(رغبة) من قرى المحمل في الشمال الغربي من الرياض ، وبقى هو وجموعه في المحمل قرابة شهرين ، ثم انتقل إلى شرقي سدير، وقيل حفر الباطن قــــرب الخفس ، والصحيح ما ذهبنا إليه (خفس العرمة) شرقي سدير وذلك في عام 1320هـ / 1902م.

كان الإمام عبدالعزيز قد قام ببناء سور الرياض على أنقاض السور القديم الذي هدمه محمد العبدالله الرشيد أثناء دخوله الرياض بعد خروج الإمام عبدالرحمن الفيصل من الرياض متجهاً إلى الكويت عام 1309هـ / 1891م ، وقد أكمل بناءه في خمسة أسابيع محيطاً بالمدينة([64]).



تفرُّغْ الإمام عبدالعزيز لتوحيـد جنوب الرياض :
كان الإمام عبدالعزيز يدرك أن ابن رشيد سيتجه نحو الرياض لاستعادتها ، ورأى من الضرورة جعل الواجهة في الجنوب فخرج من الرياض إلى هذه المناطق في قوة ليست بالكثيرة ، بعد أن أبقى في الرياض مع والده حوالي ألف مسلح للدفاع عن المدينة فيما لو هاجمها ابن رشيد ، فقصد الخرج ثم الحوطة([65]) .

انضم إلى قوته من أهل الحوطة حوالي ثمانمائة مقاتل من رجال بني تميم الأشداء ، وبهذا بلغ جمع الإمام عبدالعزيز بعد انضمام أهل الحوطة إليه ألف وخمسمائة مقاتل.

عندما ترامت الأخبار إلى عبدالعزيز بن رشيد أن الإمام عبدالعزيز خرج من الرياض صوب المناطق الجنوبية، وكانت تلك الأخبار تحمل إشاعات غير دقيقة ، منها أنه خرج مغاضباً ، كما أن والده عبدالرحمن قرر أخذ الأمان لأهل الرياض من ابن رشيد إلى غير ذلك من إشاعات لا تستند على صحة من القول.

ولكن ابن رشيد حملها محمل الجد ، وترك حفر الباطن وراءه ، وأقبل([66]) في جيشه صوب الرياض حتى نزل في الموقع المعروف بـ(بنبان) ( على بعد خمسة وعشرين كيلاً شمال الرياض ) ، وهناك علم أنّ الإمام عبدالعزيز حَصّن مدينة الرياض قبل الخروج منها ، وأنه رحل إلى الدِّلَمْ في الجنوب، فزحف في جيشه من بنبان صوب الجنوب حتى وصل الموقع المعروف بـ(نعجان) على بعد ساعتين مشياً على الأقدام عن الدِّلَمْ([67]).

وعندما علم الإمام عبدالعزيز بدنو خصمه من الدِّلَمْ تقدم إلى الدِّلَمْ ليلاً فبات في منزل شيخ الدِّلَمْ ، وتفرق رجاله في القرية البالغ عددهم ألف وخمسمائة مقاتل ، فيهم أربعون فارساً من أهل الخيل ، بينما كان جيش ابن رشيد أربعة آلاف هجان وأربعمائة فارس من أهل الخيل ، وفي ربيع الأول من سنة 1320هـ شهر حزيران سنة 1902م وكان كل من المتحاربين في اليوم الأول يرى خصمه أمامه رأي العين ، وفي ظهيرة ذلك اليوم بدأت([68]) المعركة بين الجيشين بين بساتين النخيل في الدِّلَمْ ، واستمر مساء ذلك اليوم ثم تحاجز الطرفان ، وفي اليوم الذي يليه أخذت جموع ابن رشيد تتراجع من جهة الدِّلَمْ إلى السَّلَميَّة([69]) التي تبعد عن الدِّلَمْ شمالاً نحو ست ساعات للماشي ) ، وقد اشتبك الجيشان فيها في معركة سقط أثناءها من الطرفين عدد غير قليل ، وانتهت المعركة بانهزام الجيش الرشيدي ، وقد عاد ابن رشيد إلى حفر الباطن ، بينما عاد الإمام عبدالعزيز إلى الرياض .

أقام الإمام عبدالعزيز في الرياض بضعة أسابيع ، غزا خلالها فريقاً من مطير في (الصمان) ، ثم عطف على بعض قبائل من عتيبة في (عُرَيْق رغبة) بين الوشم وجبل طويق كان الكل من أنصار ابن رشيد ، فأوقع بهم([70]).

وفي تلك الأثناء وصل إليه نَجّاب من الكويت يحمل كتاباً من شيخ الكويت مبارك الصباح يشكو من ابن رشيد بأنه ضيق الحصار على الكويت ويطلبه النجدة.

فنهض من الرياض في جموع أهل العارض ، واستنفر في طريقه بادية سبيع وما حولها من العجمان وآل مرّة وبني خالد وبني هاجر والمناصير وغيرهم وسبيع السهول وما حولها ، وما كاد يصل الكويت حتى بلغ جيشه حوالي عشرة آلاف مقاتل([71]).

وكان ابن الصباح قد جمع أربعة آلاف مقاتل تحت قيادة ابنه جابر الصباح ، ثم زحف الجيشان إلى حيث مواقع جيش ابن رشيد في الحفر ، وما كادت أخبار زحف الجيش السعودي الكويتي تترامى إلى سمع عبدالعزيز الرشيد حتى أخذ يشيع أنَّه ذاهب إلى عاصمة بلاده حائل ، فتوقف الزحف السعودي الكويتي عن مواصلة تقدمه إلى مقر قيادة الأمير الشمري في الحفر .



وقعة جَوِّلَبَن :

ولكن بدلا من أن يواصل العودة إلى حائل اتجه إلى الرياض توَّا يريد مهاجمة المدينة([72]) على حين غرّة ، وقد وجد الفرصة سانحة في غياب عبدالعزيز ، وقد وصل أبواب مدينة الرياض ، واشتبك مع أهلها على أبواب المدينة([73]) ، ولكن هيهات لقد دافع أهلها على رأس عبدالرحمن الفيصل بشدة ، فاضطر ابن رشيد إلى الابتعاد عن الرياض ، ورأى عبدالعزيز أنه أصبح على مقربة من الصمان حيث يتواجد على سطحه قبائل من مطير الموالين لابن رشيد ، فمال عليها وأوقع بها وقعة شديدة ، وقضى على مقاتليها ، واستاق مواشيها ، وكانت قد آذته لصالح ابن رشيد ، وقد عرّف هذه الوقعة بعض المؤرخين بوقعة (جَوِّلَبَن) بواو مضعف بعد الجيم ولام وباء ونون مخففة باسم اللبن المعروف، على حين أن الأسماء لا تعلل وكانت هذه سنة 1321هـ/1903م([74]).

وما كاد الإمام عبدالعزيز يقترب من الكويت بعد عودته من ضربة مطير حتى علم بخدعة ابن رشيد واتجاهه إلى مهاجمة الرياض لا إلى حائل ، فأصيب بقلق بالغ وكان يومها على ماء يسمى الطوال ، فأسرع إلى الكويت ، وهناك وافاه نجاب موفد من الرياض يحمل بشرى فشل عبدالعزيز بن متعب الرشيد في دخول مدينة الرياض بعد معركة وقعت بين المدافعين والمهاجمين على أبواب مدينة الرياض وخارج سورها ، تراجع على إثرها الجيش الرشيدي إلى خارج مدينة الرياض([75]).

وقد عاد الإمام عبدالعزيز من الكويت إلى الرياض مصحوباً بأسرته التي لا زالت في الكويت بعد الهجرة السالفة الذكر.

بعد فشل ابن رشيد في دخول الرياض تحول إلى تعقب مساعد بن سويلم([76]) الذي كان قد أرسله الإمام عبدالرحمن من الرياض ، فاستولى على المحمل غربي الرياض وشقراء والشعيب ، وقتل أميراً كان قد نصبه ابن رشيد على ثرمدا ( اسمه الصويِّغ ) ، وأسر أمير البلد مشاري العنقري ، وأرسله إلى الرياض ، فتعقبه ابن رشيد ، فتحصن ابن سويلم في شقراء ، فحاصره ابن رشيد بها ، وقد أخبر الإمام عبدالعزيز عندما وصل إلى الرياض أن عبدالعزيز بن رشيد حوَّل جيشه إلى الوشم يتعقب ابن سويلم ، فخرج من الرياض في اتجاه الوشم ، وعندما وصل حريملاء علم أن ابن رشيد رحل عن شقراء إلى الغاط من بلدان سدير([77]) الواقعة في الشمال الغربي عن الرياض ، ثم منها إلى القصيم ، وكانت هذه المواقع حين ذلك عائدة في حكم آل رشيد ، فتقدم الإمام عبدالعزيز إلى شقراء ، وولى عليها أحمد السديري ، ونظم شؤون تلك المقاطعة ، ثم عاد إلى الرياض وكان ذلك في أواخر عام 1321هـ/ 1903م ، لم يطل مكث ابن رشيد في القصيم بعد عودته من مقاطعة الوشم وسدير بل خف في جنده يريد غزو من في سدير من عتيبة وقحطان الموالين لآل سعود ، فحاصر التويم من قرى سدير ، بيد أنه ما كاد يصل خبر تلك الغزوة إلى الرياض حتى أسرع عبدالعزيز([78]) في جموعه يريد صد ابن رشيد عن تحقيق مأربه ، وبادر أهل الوشم مع أحمد السديري لنجدة أهل التويم ، فأخفق ابن رشيد في تلك الغزوة ، ورحل في اتجاه الشرق قبل وصول الإمام عبدالعزيز ولم يلتقيا ، ورجع الإمام عبدالعزيز إلى الرياض([79]).



ضم القصيم :

وقيل أن ابن رشيد اتجه إلى العراق ليستنهض من هناك من شمر وليتصل بالعثمانيين في العراق يستمد عونهم ، سيما بعد أن تقلص ظِلّهُ من جنوب الرياض وغربيه ، ولم يبق تحت يده من نجد سوى مقاطعة القصيم وما ينجر إليها من الشرق والغرب بما فيه البادية ، وتقع القصيم جغرافياً في شمالي نجد بين العارض وجبل شمر، والقصيم من أغنى بلاد نجد زراعياً وتجارياً ، ورجالها أكثر حركة في المجالين الزراعي والتجاري، وكانت لهم علاقات تجارية ضاربة في الشام والعراق والحجاز وغيرها ، وهم أهل فطنة ودهاء ، وفيهم إخلاص ووفاء.

وكانت السيــــادة في القصيم خالصـــــة لابن رشيد بعــــد استيلاء الإمام عبدالعزيز آل سعود على جنوب نجد من سدير إلى وادي الدواسر في الجنوب ([80])



وقعة ابن جراد :

كان عبدالعزيز الرشيد قد بعث في أوائل شهر الحجة عام 1321هـ/ 1904م – قبل عودته إلى حائل من القصيم – سرية عددهم 300 مقاتل بقيادة حسين بن جراد أحد رجالات شمر المعدودين ليرابط في إقليم السر ( جنوبي القصيم ) ، وترامى خبرهم إلى الرياض ، فنهض إليهم الإمام عبدالعزيز يوم 18 من شهر الحجة ، واشتبك معهم في قرية تسمى الفيضة فضربهم وقتل ابن جراد وأغلب من كان معه ، وانحازت إليه قبائل حرب النازلة بين السر والفيضة التي كانت موالية لابن رشيد ، ثم عاد إلى الرياض([81]) لم يلبث الإمام عبدالعزيز في الرياض كثيراً بعد عودته ، فقد خرج بجمع كثير معلناً في الظاهر أنه يريد الكويت ووجهته في الحقيقة القصيم ، وقد انضم إلى جيشه كثير من البادية ممن يريد السلب والنهب ، وعندما وصل الإمام ماء الشيحية وسط النفود علم من كان معه من البادية أنه يقصد([82]) ابن رشيد ، فتسللوا عنه لواذاً ، واستمر عبدالعزيز يتابع السير ليلاً، وضل في ليله عن الطريق فأخذ بهم التيه إلى الصباح ، واهتدوا إلى قصر يسمى الحميدية من قصور عنيزة يبعد عنها حول أربع ساعات للماشي على الأقدام .

ولاحت لهم في الأفق طلائع اتضح أنها طليعة كان قد أرسلها عبدالعزيز بن رشيد إلى عنيزة ، بقيادة ماجد الحمود بن رشيد ، وكان قبلها سرية ( في عنيزة ) رشيدية بقيادة فهيد السبهان ، وكان في جيش عبدالعزيز بعض آل سليم أمراء عنيزة قبل أيام بن رشيد، ومعهم جمع من أهل القصيم([83]) سكنوا شقراء فأغاروا على حامية ابن رشيد في عنيزة ، وعززه الإمام عبدالعزيز بمائتين من جيشه بقيادة عبدالله بن جلوي ، فقاومهم رجال ابن رشيد ، وقتل أثناء ذلك فهيد السبهان ، فأعلن أهلها التسليم لآل سليم ، ودخل الإمام مدينة عنيزة في 5 محرم عام 1322هـ / 13–3–1904م ، وبقي الإمام عبدالعزيز سبعــــة أيام([84]) ثم هاجم بريدة وفيها حامية لابن رشيد ، فتحصنت الحامية في حصن بريدة ، وثبتت الحامية شهرين وبضعة أيام ، ثم استسلمت في النصف من ربيع الأول عام 1322هـ ، وباستسلامها تم للإمام عبدالعزيز الاستيلاء على مدينة بريدة([85])



معركة البكيرِيَّـــةْ :

كانت سياسة الدولة العثمانية مناهضة لقيام أي دولة سعودية تقوم في شبه الجزيرة العربية بعد أن قضت على الدولة السعودية الأولى التي ناصرت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، يتجلى ذلك في الحروب والوقائع التي شنتها تركيا ممثلة في حكامها وولاتها الذين حكموا مصر والعراق والحجاز واليمن وغيرها مع اتباع الدولة السعودية من أهل نجد وعسير والمخلاف السليماني ، ولعل من الأسباب التي حملت العثمانيين على مناهضة أية دولة سعودية تقوم في شبه الجزيرة العربية هو أن السعوديين منذ ظهور الدعوة السلفية التي نادى بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب لا يعترفون بخلافة آل عثمان([86]).

لهذا ما كاد عبدالعزيز بن رشيد يطلب مساعدة العثمانيين في حربه ضد آل سعود حتى خفت القيادة العثمانية في العراق لإمداد ابن رشيد بالرجال والمال والسلاح ، وزحف ابن رشيد في اتجاه القصيم بجيش جرار فيه أحد عشر طابوراً من جنود الدولة العثمانية مع قبائل شمر، وعلم الإمام عبدالعزيز وهو في بريدة بهذا الزحف الهائل ؛ فأسرع في جيشه لملاقاته ، وعلى مهد فسيح من الأرض يعرف بسهل البكيرية غربي القصيم التقى الجيشان وتصاول الفريقان في معركة شعواء راح ضحيتها عدد غير قليل من الجيشين ، وكانت خطط المعركة مرتبة في تكتيك حربي كالآتي([87]):

– الإمـام عبدالعزيز في أهل العـارض في مقابـل رجال شمـر وجهـاً لـوجـه ، وتولى قيـادتهم بنفسه.

– أهل القصيم ومن انضم إليهم من قبائل مطير وغيرهم في اتجاه الجيش التركي ، حيث مرابض المدافع ، وكان يفصل بين الجيشين تل مستطيل من الرمل صعب المرتقى وتقدم أهل([88]) القصيم يريدون الجهة التي فيها الجيش النظامي العثماني فضللهم ظلام الليل ، وسلكوا طريقاً أخر مقوساً حول الرمل المستطيل ، مما جعلهم يتزاورون ذات اليمين ويقرضون الترك ذات اليسار ، فإذا هم يجدون أنفسهم تلقائياً وراء خيام شمر بعيداً عن مواقع الجيش التركي([89]) ، وكانت المعركة ليلة أول ربيع الثاني عام 1322هـ /15–6–1904م ، وبينما الإمام عبدالعزيز وأهل العارض يهاجمون قبائل شمر والمعركة حامية الوطيس إذا هم يفاجأون بنيران الأتراك تنصب عليهم ، وإذا بالجيش النظامي يقاتلهم مع شمر جنباً إلى جنب ، وكانت المعركة قد نشبت بين الطرفين أول ليلة من ربيع الآخر سنة 1322هـ([90]) /15–6–1904م ، وقد استمرت المعركة عدة ساعات في تلك الليلة سقط فيها من أهل العارض ومن انضاف إليهم تسعمائة قتيل ، وأصيب الإمام عبدالعزيز أثناء المعركة بشظايا قنبلة في يده اليسرى وكان يقود المعركة بنفسه ، وقتل من جنود الأتراك نحو ألف جندي ، كما قتل من شمر ثلاثمائة قتيل منهم عبدالعزيز بن جبر ( من آل رشيد ) .

ورجحت كفة ابن رشيد والعثمانيين في تلك المعركة وتفرق جمهرة ممن كان حول الإمام عبدالعزيز ، وطلع فجر تلك الليلة الحالكة والإمام عبدالعزيز خارج عن محيط البكيرية في الجهة الجنوبية عنها([91]).

وتجمع للإمام عبدالعزيز بعد معركة البكيرية في أقل من أسبوع ما يناهز عشرة آلاف مقاتل فزحف بهم إلى الموقع المعروف بـ(الشنانة) حيث يتمركز جيش ابن رشيد على بعد عشرة كيلو مترات جنوبي (الرس)([92]).

ودخل الإمام عبدالعزيز الرس ، واتخذها مركزاً لمناوشة ابن رشيد ، وأخذ الحرب بين الطرفين في شكل مناوشات ومصاولات يومياً لمدة ثلاثة أشهر ، والكل يترقب الفرصة المواتية التي تمكنه من الهجوم المباغت على ضده ، فلم يتفق ذلك وسئم جيش كل من الطرفين من تلك المطاولة .



وقعة الشنانـــة([93]):

وفي اليوم الثامن عشر من شهر رجب سنة 1322هـ / 29 سبتمبر 1904م اشتبك الطرفان في معركة شعواء على موقع عرف بالشنانة ، ونسبت المعركة إلى الموقع المذكور ويقع موقع الشنانة على بعد عشرة كيلو متر جنوبي الرس([94]).

وكانت المعركة من أشد المعارك على الطرفين وقد استمرت إلى منتصف النهار ، وانتهت بهزيمة الأتراك فانهارت صفوف رجال ابن رشيد ، وتمكن الإمام عبدالعزيز وجيشه من السيطرة على الموقف وغنموا جميع ما خلفه المنهزمون من جيش ابن رشيد وتشتت ما بقي من جنود الدولة العثمانية بعد هذه الوقعة وقد استسلم بعض جنود الأتراك للإمام عبدالعزيز([95]) فأمنهم وآواهم وكساهم وعاملهم معاملة حسنة يليق بأمثاله من الزعماء القلائل رحمة الله عليه.



معركة روضة مهنّا ومصرع ابن رشيد :
وبعد معركة الشنانة تراجع عبدالعزيز المتعب بن رشيد إلى قرية تسمى الكهفة في ضواحي حائل ليستجمع أفكاره ، ويكاتب الدولة العثمانية عَلّهُ يحصل على عونها بعد فقده الكثير من قواته بما فيه جنود الدولة الذين قتلوا في المعارك السالفة الذكر([96]).

وفي الوقت نفسه علم ابن رشيد أن الإمام عبدالعزيز توجه إلى قطر لمساعدة حاكمها في إخماد ثورة عارمة داخلية نشبت في بلاده([97]).

فانتهزها ابن رشيد فرصة وأسرع إلى القصيم ، واشتبك رجاله مع حامية ابن سعود المتواجدة في القصيم.

وعاد الإمام عبدالعزيز من قطر وكانت أخبار عبدالعزيز الرشيد تصل إليه على التوالي، وفي عام 1324هـ/ 1906م زحف الإمام عبدالعزيز لصد ابن رشيد([98]) عنها، وكان عبدالعزيز المتعب الرشيد قد زحف بقواته إلى القصيم ، وعسكر([99]) في روضة مهنَّا بالقرب من بريدة ، وكان جيش كل منهما لا يتجاوز ألفي مقاتل ، واشتبك الجيشان في معركة شرسة (بدأت ليلاً وكانت ليلة 18 شهر صفر عام 1324هـ / 14–4–1906م) وقد استعمل الطرفان كل ما لديه من أسلحة سيما البنادق ، ثم السيوف والخناجر ، بحيث تداخل الجيش في الجيش ، وفيما كان عبدالعزيز بن متعب الرشيد على صهوة جواده يشجع قواته ، سيما حامل راية رجاله ( واسمه الفريخ ) ، وفيما كان يشجعه على التقدم – وكان ذلك بالليل الحالك – وقد ضلَّ مكان الفريخ ودخل بين رجال ابن سعود عرفه من كان حوله ، فصاحوا : ابن رشيد ابن رشيد ، ثم صوبوا النار إليه ؛ فأصيب بما يقرب من بضع وعشرين طلقة نارية ، فسقط صريعاً من فوق متن جواده ، ولقي حتفه فخلفه في حائل ابنه متعب([100]).



آل رشيد بعد مصرع عبدالعزيز بن متعب :
سقوط حائل :

بعد سقوط عبدالعزيز الرشيد قتيلاً في وقعة (روضه مهنَّا) خلفه ابنه متعب بن عبدالعزيز الرشيد([101])

وكان متعب بن عبدالعزيز هذا تواقاً إلى السلم لا يميل إلى الحروب ، بل كان ميالاً إلى السكينة والخلود إلى الراحة والهدوء بقدر الإمكان ، ولهذا ما كاد يتولى الإمارة حتى مد يده إلى المصالحة مع الإمام عبدالعزيز آل سعود ، وتم الصلح بينهما على أن ينحصر نفوذ آل رشيد في حائل فقط([102]).

وبهذا الإجراء تم للإمام عبدالعزيز توحيد نجد بما فيه القصيم وانحصر نفوذ آل رشيد في حائل فقط.

ولم يلبث متعب بن عبدالعزيز في الإمارة فوق عشرة أشهر حتى وثب عليه كل من فيصل وسلطان وسعود أبناء حمود بن عبيد الرشيد([103]) في 21 ذي القعدة 1324هـ/ 1906م ، وقتلوه وقتلوا معه أخويه مشعلا ومحمدا ، ذلك أن كلا من فيصل وأخويه سلطان وسعود تظاهروا بالخروج للصيد خارج حائل ورافقهم بدعوة خاصة كل من متعب أمير حائل وأخويه مشعل ومحمد ، وحينما توارى القوم خلف نخيل حائل وثب كل من فيصل وسلطان وسعود أبناء حمود بن عبيد الرشيد على ضيوفهم متعب أمير حائل وأخويه مشعل ومحمد وقتلوهم طعناً بالخناجر ، فسقطوا ضحايا الجريمة مضرجين في دمائهم القانية، ثم تراكض القوم على خيولهم في اتجاه حائل لكي يعتلي سلطان بن حمود بن عبيد الرشيد منصب الإمارة([104]).

لم يكن النهج الذي انتهجه أمير حائل بالأمر المستحسن عندما نَزَى على أشلاء ذوي رحمه بصورة بشعة ، إذ كان في إمكانه أن يصل منصب الإمارة بطريقة أسهل مما حدث على حين لم يكن في سياسته موفقاً مع الإمام عبدالعزيز إذ نراه([105]) يبعث وفداً للإمام عبدالعزيز يحمل طلب المصالحة ، وفي ذات الوقت يبعث وفوداً إلى عدد من زعماء نجد بما فيه أهل القصيم يطلب منهم نصرته على الإمام عبدالعزيز([106]).



معركة الطرفية :
بينما كان رسول سلطان الرشيد لدى ابن سعود إذا ببعض الزعماء الذين استنصر بهم ابن الرشيد يعرضون عليه رسائل سلطان الرشيد التي أرسلها إليهم ، وقد استشاط عبدالعزيز غضباً لذلك ، وكاد أن يطرد رسول ابن رشيد بيد أن والده الإمام عبدالرحمن الفيصل أشار عليه بالتريث ، وان يشترط على سلطان ما كان اشترطه على سلفه متعب ابن عبدالعزيز بأن تكون أمارة سلطان على حائل وجبل شمر فحسب ، وسيادة الإمام عبدالعزيز على نجد بما فيه القصيم ، وعاد رسول سلطان الرشيد إلى حائل يحمل عروض الإمام عبدالعزيز([107]).

لم يقبل سلطان الرشيد بعرض الإمام شروط الصلح الملخص أعلاه ، بل قام بحشد قواته في اتجاه القصيم ، وكان قد وطد لهذا الزحف برسائل بعثها إلى بعض الزعماء ، كما وطد أيضاً بشن هجوم على قافلة سعودية خرجت من القصيبة فسلبها ، ثم قتل رجالها صبراً ، وعندما علم الإمام عبدالعزيز بذلك شدًّ على سلطان الرشيد فلم يدركه.

وقد انضم ([108]) بعض زعماء مطير إلى سلطان بن حمود الرشيد ، وزحف بهم وبقواته الشمرية إلى بريدة ، ونزل على المياه الواقعة خارج بريدة ، كما زحف الإمام عبدالعزيز في قواته وكانت مؤلفة من بادية عتيبة وقحطان ومعهم جمهور من الحاضرة، وقد اصطدم الجيشان على أبواب بريدة وبين نخيلها حتى سالت الدماء قانية بين النخيل، وقد كبت فرس الإمام عبدالعزيز في المعركة فسقط عن ظهر جواده ، وأصيب بكسر في عظم كتفه وفي تلك الأثناء كان([109]) فيصل الدويش قد انضم إلى ابن رشيد ، وأنزل رجاله وثقله في الموقع المعروف بـ(الطرفية) ، ( وتبعد الطرفية عن بريدة بأربع ساعات ونصف شمالاً أي بنحو 25 كيلاً أو أقل ) باعتبار انتشار العمران في غضون هذه النهضة المباركة([110]) ، وزحف بقوته إلى بريدة ، ثم مالت سرية من الجيش السعودي على من كان في الطرفية من أتباع الدويش([111]) وثقله فأبادتهم ، وقد عاد من سلم من أهل بريدة إلى أهله.

وقد تجددت المعاهدة بين سلطان الرشيد والإمام عبدالعزيز بمساعي برغش بن طواله وذلك في ربيع الثاني سنة 1326هـ/ 1908م ، وبهذا الصلح خفت حدة القتال بين الطرفين([112]).

وفي هذه السنة بالذات أقدم سعود بن حمود العبيد الرشيد على اغتيال الأمير سلطان بن حمود العبيد الرشيد بحيث قتله خنقاً بالحبال التي أعدها لذلك ، ودفنه في حفرة بداخل القصر ، وذلك بعد حكم دام سنة ونصف من استيلائه على الحكم في حائل ، ثم جلس سعود مكان أخيه سلطان.

وكان أول عمل عمله بعد مقتل أخيه والاستيلاء على الأمر في حائل أن أرسل وفداً إلى الإمام عبدالعزيز عرض عليه الصلح فقبله الإمام بذات الشروط التي أبرمها مع أخيه سلطان([113]) ، ولكن سرعان ما نكث عهده وعاد إلى ميدان القتال ، واستمر في منصب الإمارة حوالي سنة وشهرين ، وعندما علم ابن سبهان بمصرع سلطان بن حمود العبيد الرشيد على يد شقيقه سعود بن حمود الرشيد وهو في المدينة المنورة مع ابن أخته سعود بن عبدالعزيز الرشيد فارّاً به من حائل خوفاً من الاغتيال أسرع العودة إلى حائل، وبوصوله هجم على القصر ، وقتل سعود بن حمود العبيد خنقاً([114]) ونصب ابن أخته سعود بن عبدالعزيز في إمارة حائل وذلك في سنة 1327هـ/1909م .

وأخذ آل السبهان أخوال الأمير سعود بن عبدالعزيز يديرون ([115]) الحكم في حائل ، وفاوضوا الإمام عبدالعزيز آل سعود بالصلح فلم تسفر المفاوضات عن نتيجة ، وذلك في سنة 1327هـ /1909م ، وخاف فيصل بن حمود العبيد الرشيد على نفسه وكان قد عينه أخوه أميراً على الجوف ، فالتجأ بالإمام عبدالعزيز في الرياض ، وبقى لديه مكرماً إلى سنة 1942م ثم توفاه الله ، ورغم امتداد عهد سعود بن عبدالعزيز الرشيد هذا من سنة 1327هـ([116]) / إلى سنة 1338هـ فقد وقع في عهده خطوب وأحداث مؤسفة منها وفاة خاله السبهان مسموماً ، ومنها محاولة سعود السبهان اغتياله لكي يزول منصب الإمارة في حائل ، ولكنه فشل وهرب إلى الزبير وتوفيَّ هناك ، وقد عهد الأمير سعود الرشيد بتصريف إدارة البلاد إلى عقاب بن عجل.



ضم الأحساء والقطيف :
في الوقت الذي تم للإمام عبدالعزيز فيه استعادة نجد من آل الرشيد أخذ يتطلع إلى استعادة المنطقة الشرقية([117]) من الوجود العثماني كمنفذ استراتيجي بحري يطل على الخليج ، فانتهز فرصة اشتغال العثمانيين في حربهم مع إيطاليا في شمال أفريقيا سنة 1329هـ/1911م على حين آلت المنطقة إلى فوضى غارقة ، ولم يعد للمتصرف العثماني في لواء الأحساء من نفوذ سوى فيما حوته أسوار المعاقل العسكرية ، وتقدم الإمام عبدالعزيز في قوة من رجاله([118]) على الإقليم بغية تحريره من الوجود العثماني ، باعتباره كان جزءاً من أملاك الدولة السعودية الأولى وذلك في أوائل سنة 1331هـ/ 1913م ، فاحتل الهفوف عاصمة الأحساء آنذاك ، وعندما تم له تحرير الهفوف أرسل سرية من رجاله فاستعادت القطيف والعقير ، وقد تمكن من إجلاء الجنود العثمانيين من إقليم الأحساء إلى البحرين([119]) ، ومنه إلى البصرة ، وتمت للإمام عبدالعزيز السيطرة على المنطقة الشرقية بعد أن حكمها العثمانيون اثنين وأربعين عاما ، وبهذا الإنجاز الحربي استطاع الإمام عبدالعزيز أن يطل على الخليج بما فيه موارده الاقتصادية .



معركة جُراب :
جُراب – بضم الجيم – اسم يقع على منهل (ماء) شرقي الزلفي وشمال جبل مجزل، وقعت معركة شرسة على أرضه بين الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن من جهة وبين سعود بن عبدالعزيز بن رشيد من جهة أخرى ، عرفت بمعركة جُراب([120])، وكانت قد ترامت الأخبار إلى الإمام عبدالعزيز من حائل بأن سعود بن عبدالعزيز بن رشيد يحشد جيشاً للزحف على الرياض – بإيعاز من الدولة العثمانية – بعد أن حصل منها على الأسلحة والذخائر والمال ، بواسطة متصرف البصرة سليمان شفيق كمالي باشا، فزحف الإمام عبدالعزيز من الرياض في جيش قوامه ألف مقاتل أو يزيدون من أهل الرياض ، ومن أهل الخيل ثلاثمائة فارس أغلبهم من العجمان([121]) ، كما زحف ابن رشيد من حائل في ستمائة مقاتل من شمر ، ومن أهل الخيل نحو ألف فارس ، وفي صباح اليوم السابع من شهر ربيع الأول 1333هـ /24/1/1915م التقى الجمعان على أرض جُراب ، واشتبك الجيشان في معركة شعواء وتصاول الفرسان ، وتساقطت الجثث على أرض المعركة ، فكان يوماً مهولاً وكان الشمريون قد أخرجوا عماريَّاتهم الأبكار الحسان على الهوادج لتشجيع الفرسان ، ( قلت وهي من عادات الجاهلية عند العرب وقد قطعها الإمام عبدالعزيز آل سعود([122]) رحمة الله عليه فكم له من بوادر حسنة في هذه الجزيرة ) ، وقد بقيت المعركة محتدمة إلى الظهر من ذلك اليوم ، وكانت المعركة في صالح الجيش السعودي بادئ الأمر ، وأخيراً انكشف الجناح الأيسر السعودي، فاختل التوازن في المعركة ، وانتهت بلا غالب ولا مغلوب ، وهذه المعركة تعد من المعارك الكبرى في تاريخ هذه الحروب الطاحنة([123]).

وفي سنة 1338هـ وثب عبدالله بن طلال بن نائف من آل رشيد على أمير حائل سعود بن عبدالعزيز المذكور فقتله غيلة ، فانتقم له عبيده في نفس الوقت واللحظة فأردوا عبدالله بن طلال قتيلاً في الحال، ونادوا بإمارة عبدالله بن متعب بن عبدالعزيز بن رشيد .

ومن لحظتئذ قام بطلب المصالحة مع الإمام عبدالعزيز ، وقد أجاب الإمام عبدالعزيز بشروط من أهمها أن تكون إمارة حائل ذات كيان داخلي فقط ([124]) ، ويكون أمر خارجيتها بيد الإمام عبدالعزيز ، فرفض ابن متعب شرط ابن سعود ، ولهذا استؤنف القتال بين الطرفين ، وكانت القوات السعودية بقيادة كل من محمد بن عبدالرحمن و سعود بن عبدالعزيز في جيش قوامه ستة آلاف مقاتل ، وطوقت تلك القوات حائلاً في أواخر عام 1338هـ / 1920م([125]) وطال الحصار ، وفي أثناء الحصار رجع محمد بن طلال من الجوف ، فخافه أمير حائل عبدالله بن متعب فخرج من حائل مستسلماً للأمير سعود بن عبدالعزيز فعاد به إلى الرياض.

وعندما شاهد محمد بن طلال الرشيد منصب الإمارة شاغراً انتهز الفرصة واعتلاه ، وكان الرجل من الشجاعة بمكان ( كما وصفه بعض مؤرخي تلك الفترة ) ، لولا أنه في ذات الوقت كان النخر والخور والانحلال قد دب في هيكل تلك الإمارة ، التي بات احتضارها وشيكاً([126]).

ففي أواخر عام 1338هـ /1920م – كما أسلفنا – انتهز محمد بن طلال فرصة خلو منطقة حائل من القوات السعودية التي كانت محاصرة لحائل في الفترة التي عاد فيها سعود بن عبدالعزيز إلى الرياض بأمير حائل عبدالله بن متعب([127]) ، الذي استسلم للأمير سعود، وألف محمد بن طلال جيشاً من أهل حائل وشن به غارات متوالية ضد القبائل التي كانت موالية لابن سعود ، فوجه الإمام عبدالعزيز إليه قوة برئاسة الدويش تشاغله ، وزحف هو من الرياض في جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل ، وضيق عليه الخناق ، فاعتصم بالعاصمة حائل فأحكم الحصار عليه لمدة 55 يوماً ، وفي أثناء الحصار الذي قاسا فيه أهل مدينة حائل الأمرّين تدخل الوسطاء ، وتم في نهايته شروط التسليم التي تتلخص في ما يلي([128]) :

1- يستسلم محمد بن طلال ومعه آل رشيد جميعاً .

2- يعيشون في ظل عبدالعزيز آل سعود بعيدين عن حائل معززين مكرمين.

3- يعفو الإمام عبدالعزيز عن كل من اشترك مع طلال في حربه من رجال حكومته وأتباعه ورعيته ومن والاه عفواً شاملاً.

وسـلم محـمـد بن طلال وأعيـان قومـه أنـفـسـهـم في 29 صفـر 1340هـ أكتـوبـر عـام 1921م([129]).

وباستسلام محمد بن طلال آخر أمير من آل رشيد اختفت تلك الإمارة التي حكمت بلاد شمر قرابة واحد وتسعين عاما ، بما فيه الفترة التي حكمت فيها ديار نجد وما ينجر إليها من البوادي بما فيه المنطقة الشرقية ، وتقع منطقة حائل في شمال نجد ، وتبعد عن الرياض في الشمال ب 570 كيلاً خمسمائة وسبعين كيلاً([130])



ضم عسير:
السلطان عبدالعزيز يبعث جيشاً إلى عسير :

كان الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن قد أرسل وفداً مكوناً من محمد بن سلطان والشيخ عبدالله بن راشد والشيخ فيصل آل مبارك والشيخ عبدالله بن جار الله إلى أبها ، واجتمع الوفد بأمير عسير حسن بن عائض ، لكن النتيجة كانت عكسية فعاد الوفد إلى بلاده ، وبعد عودة الوفد السعودي إلى الرياض شرح للسلطان عبدالعزيز الوضع ، وبخاصة الوضع السياسي والتوقعات المستقبلية ، سيما المطامع التي تحاك ضد عسير([131]).

بعث السلطان عبدالعزيز جيشاً من الرياض بقيادة ابن عمه سمو الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي ، أغلبه من أهل الخيل ، وذلك في شعبان عام 1338هـ مصحوباً برسائل من السلطان عبدالعزيز([132]) إلى حسن بن عائض ، ووصل الجيش واحة بيشة عن طريق رنية ، وبعث الرسائل إلى أهلها وكتب أيضا الأمير عبدالعزيز بن مساعد رسائل خاصة من عنده شرح للمسؤولين في عسير أهداف حملته ، وهي تهدف إلى دخول العسيريين فيما دخل فيه الناس من الوحدة والانضواء تحت الشريعة الإسلامية في إطار الوحدة التي يدعو إليها([133]) الإمام عبدالعزيز ، وأن تشملهم الوحدة كما شملت أجدادهم من ذي قبل ، وكان يومها مخيماً في المحل المسمى قاعة ناهس ، فبعث أمير عسير حسن بن عايض وفداً إلى الأمير عبدالعزيز بن مساعد ، يحمل رسالة من الأمير جواباً على رسائل الإمام عبدالعزيز والأمير بن مساعد ولم يحدد موقفه من مطالب الإمام عبدالعزيز ، بينما لم يجعل للوفد حق التفاوض في الأمور المطلوبة ، لهذا رجع الوفد دون نتيجة([134]).


معركـــة حِجْلاَ :
فشلت المفاوضات وتقدم ابن مساعد من القاعة إلى خميس مشيط ، بينما تقدم حسن من أبها إلى حجلا التي تبعد عن مدينة أبها بحوالي أحد عشر كيلاً في الاتجاه الشرقي ، مما يلي خميس مشيط واشتبكت القوتان في معركة شعواء ، بدأت بظهر يوم الأربعاء من النصف من شهر شوال عام 1338هـ وانتهت بيوم الخميس ثاني يوم المعركة، وعلم الأمير عبدالعزيز وهو لا يزال في حجلا على أرض المعركة أن الإخوان ومن لف حولهم من مبتغي المغانم والسلب والنهب زحفوا ليلا إلى مدينة أبها ، فأرسل خلفهم قوة من أهل الخيل تمنعهم من دخول مدينة أبها ليلاً حتى الصباح ، ثم واصل سموه زحفه ليلاً صوب مدينة أبها([135]) خوفاً على السكان ، وعندما وصل مشارف المدينة أرسل كلمته المدوية في الجموع الحاشدة من مبتغي السلب قائلاً : " ليكن لديكم معلوماً أنني ما جئت إلى أبها لقصد إراقة الدماء ، وإنما جئت داعياً إلى الله ، فعليكم لزوم أماكنكم حتى صباح غد ، فإذا وضح النهار وأهل أبها في حالة حرب فالله المستعان ، وإن هم مسالمون فالحمد لله وهذا الذي نبيه" وعندما طلع الصبح من يوم الجمعة ثالث يوم الحرب فإذا بأبها وما حولها قد نشرت الأعلام البيض ([136]) ، وهي علامة على التسليم ، والفضل يعود لله ثم للأمير عبدالعزيز بن مساعد ، ودخل سموه قصر شدا معلناً إنهاء حالة الحرب ، فتوافد الناس إلى أبها معلنين البيعة للإمام عبدالعزيز، وهكذا من تلك اللحظة أصبحت منطقة عسير السراة من ملحقات نجد.

أما عسير تهامة بما فيهم رجال ألمع القبيلة الكبيرة في تهامة فقد بقي الجميع على ولائهم للإدريسي([137]).


 

رد مع اقتباس