عرض مشاركة واحدة
قديم 20-Sep-2012, 12:22 PM   #19
عضو محترف


الصورة الرمزية تغريدالمهيمزيه
تغريدالمهيمزيه غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2828
 تاريخ التسجيل :  Jul 2012
 أخر زيارة : 04-Dec-2012 (05:55 AM)
 المشاركات : 333 [ + ]
 التقييم :  24
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مساابقه حبيييب الملايين لليوم الوطني



يتبع

وقد سافر الأمير حسن بن علي بن محمد وأقاربه إلى الرياض لتقديم البيعة للإمام عبدالعزيز ، ثم طلبوا العودة إلى أبها فوافقهم الإمام ، وعرض على الأمير حسن إعادته في إمارة عسير فمنع ولكنه وعد بأن يكون عوناً للأمير الذي ينصبه الإمام عبدالعزيز ، وقد بقي الأمير عبدالعزيز بن مساعد في أبها لترتيب أمر البلاد ، وحل مشاكل المنطقة وفقاً للمصلحة ، وفي صفر عام 1339هـ وردت إلى سموه الأوامر من الإمام عبدالعزيز يطلب إليه العودة إلى الرياض بعد أن يكون قد استكمل الترتيبات التي تكفل استقرار الأمن في البلاد([138]).

وفي النصف من عام 1339هـ عاد حسن بن عائض وأقاربه إلى عسير ، واعتصم حسن بن عائض في قصره بالحرملة ، وبقي ابن عمه محمد بن عبدالرحمن آل عائض في أبها ، وكانت سيرته حسنة مع الطارفة السعودية ، أما حسن بن علي آل عائض فقد قاد حملة([139]) عسكرية من أنصاره وهاجم الحامية السعودية في قصر شدا بأبها ، وشدد الحصار عليها حتى استسلمت صلحاً ، وخرجت الحامية السعودية من أبها إلى بلاد شهران ، واستقبلها بن مشيط وأنزلها في قصره ، كما استقبلها عبدالوهاب أبو ملحة وقام بما يلزم للحامية السعودية ، ثم كتب كل من سعيد بن مشيط وعبدالوهاب إلى الإمام عبدالعزيز بحقيقة مصير الحامية ، واستحثاه في إرسال قوة تعيد الأمن إلى نصابه في البلاد([140]).


السلطان عبدالعزيز يبعث جيشاً بقيادة ابنه فيصل لاستكمال تثبيت الأمن في عسير:

وبعد فتح حائل في شوال عام 1340هـ / حزيران عام 1922م بعث الإمام عبدالعزيز نجله الأمير فيصل لإعادة الأمن في عسير ، وزحف الأمير فيصل من الرياض في جيش قوامه ستة آلاف مقاتل عن طريق رنية فبيشة ، وذلك في شوال عام 1340هـ، ثم والى زحفه إلى خميس مشيط ، وكان محمد بن عبدالرحمن آل عائض معسكراً في وادي عتـــــود بالخميس ، فتقهقر إلى أبهــــــا ثم خرج من أبهـــــا ولحق بابن عمه حسن آل عائض الذي كان قد تراجع إلى قصره بالحرملة في أغوار تهامة([141]).

وقد والى الأمير فيصل زحفه إلى أبها ، فدخلها سلماً وأعاد الأمن إلى نصابه ، وذلك في شهر محرم عام 1341هـ ، وقد بقي في أبها لترتيب أمورها ، واستكمال وسائل الأمن في البلاد ، واستقبال الأهلين الذين توافدوا لتقديم البيعة للإمام عبدالعزيز([142]).

أما الأمير حسن بن عائض فقد سبق أن غادر مدينة أبها ، قبل أن يصل إليها الأمير فيصل معتصماً بمعقله بالحرملة الواقع بأغوار تهامة ، بيد أن الأمير فيصل لم يهمل أمره فقد بعث سرية راجلة لصعوبة الوصول إلى الحرملة ، وكان يقود السرية شيخ بني مغيد في ذات الوقت المدعو علي بن مشببة ، وواصلت السرية سيرها إلى الحرملة بيد أنها لم تجد الأمير حسن في معقله ، حيث غادر الحرملة متجهاً إلى قبيلة بني زيد من رجال ألمع التابعة للإدريسي ، وما أن علم الإدريسي بتواجد الأمير حسن برجال ألمع حتى أصدر أمره على عامله برجال ألمع السيد مصطفى النعمي بإلقاء القبض عليه وتسليمه للأمير فيصل بابها([143]).

إلا أن الأمير حسن تمكن من مغادرة بلاد رجال ألمع في جنح من الليل ، والتحق بالشريف حسين منضماً إلى القوات التي بعثها الشريف الحسين بن علي لإعادته بأبها.

وفي 20 جمادى الأولى عام 1341هـ غادر سموه الأمير فيصل أبها عائداَ إلى الرياض([144]) ، بعد أن أكمل وسائل الأمن في أبها ، وقد عين في إمارة أبها سعد بن عفيصان.

وقد انتهز الأمير حسن فرصة عودة الأمير فيصل إلى الرياض ، وزحف من بارق بالجيش الشريفي الذي كان بقيادة الشريف عبدالله بن حمزة والشريف راجح متجهاً إلى أبها عبر عقبة ساقين فسراة بني شهر تنومة فبللسمر([145]) ثم من بلاد بللحمر ، وعندما علم سعد بن عفيصان أمير أبها بتقدم الجيش الشريفي شكل جيشاً من أخوياه مع بعض القبائل سيما قحطان بقيادة ابنه سليمان وعلي بن دليم من قحطان ، والتقى الجيشان على سطح حضن المسوح شمال شعار ، وجرت بين الطرفين معركة شعواء سقط فيها عدة قتلى من الطرفين كان منهم قائد الجيش السعودي وعلي بن دليم وغيرهما ، وانهزم الجيش السعودي وتقدم الجيش الحجازي صوب أبها ، وأحاط أبها من التلال المحيطة بالمدينة ، ولم تقاوم المدينة ونصب الجيش الحجازي([146]) مدافعه على رؤوس التلال ، وأخذ يقصف قصر شدا بشدة ، ودام الحصار مدة عشرين يوماً ، وأوشك المحاصرون على الاستسلام لولا أن جيشاً سعودياً وصل خميس مشيط بقيادة خالد بن جامع العتيبي ومحمد بن جيفان ، ويقال أن حقيقة الأمر أن الشريف حسين أمر قواته التي تحاصر القوة السعودية بالعودة للدفاع عن الطائف من هجوم القوات السعودية الممثلة في الإخوان ، والتي بات دخولها الطائف وشيكاً([147]).

وتراجع الجيش الحجازي عن أبها من حيث أتى ، وبعد فترة توفي أمير أبها سعد بن عفيصان فَعُيّنَ بدلاً عنه عبدالعزيز بن إبراهيم ، وكان لا يزال حسن بن عائض معتصماً في قصره الحرملة وتمكن أمير أبها عبدالعزيز بن إبراهيم([148]) من إقناعه بالتوجه إلى الإمام عبدالعزيز ، فتم له ذلك وبعثه وبني عمه في سرية من أخوياه إلى الرياض ، وقد حلوا ضيوفاً([149]) مكرمين على الإمام عبدالعزيز ، وفي عام 1357هـ توفي حسن بن علي بن محمد بن عائض بالرياض عن عمر يناهز 55 عاماً([150]) تقريباً يرحمه الله.

وبهذا الإنجاز المهم في سبيل إعادة بناء وتوحيد الدولة السعودية في دورها الثالث وتكامل الوحدة العربية أصبح سلطان نجد وملحقاتها الإمام عبدالعزيز آل سعود يسيطر على الأراضي التي تمتد في بعدها الجغرافي والسياسي في تلك الفترة من تخوم وادي السرحان من بلاد شمر في الشمال ، حتى أعالي مرتفعات عسير في الجنوب ، المطلة على تهامة عسير في الغرب ، كما تمتد من الشرق من الخليج العربي (المنطقة الشرقية) حتى أعالي أراضي نجد حيث يقف جبل حضن غرباً.

ضم الحجاز ومراحله :

الحرب العالمية الأولى :

في أواخر عام 1332هـ /سنة 1914م نشبت الحرب العالمية الأولى بين الحلفاء من جهة وبين تركيا وألمانيا من جهة ومن انحاز إلى كل منهما ، وكان الإمام عبدالعزيز يرحمه الله يدرس مخاطرها وما تنطوي عليه من شرور وويلات ، ورغم أن موقفه من تلك الحرب كان حيادياً فقد خشي من أن يصل وهجها إلى شبه الجزيرة العربية ، لهذا كان يسعى في تكوين رأي يشترك فيه أمراء الجزيرة العربية ليقرروا نهجاً في سياستهم الداخلية ، يأمنون به اصطدام بعضهم ببعض ، أو يحصل التفاهم فيما من شأنه تجنيب الجزيرة العربية من وهج الصراعات([151]).

وقد كتب إلى كل من ابن رشيد والشريف الحسين ومبارك الصباح في هذا الصدد فلم يتم شئ مما كان يأمله ، ومما لا شك فيه أنه إذا كانت أسباب الحرب العالمية ذات أبعاد متشعبة فإن من أهدافها الرئيسية السعي في أن يصبح لقادة حربها مكاناً في شبه الجزيرة العربية ، ذلك لما تتميز به بلاد العرب على غيرها من مميزات لا تتوفر في سواها نشير إلى بعضها فيما يلي :

1- خليج السويس حيث يتوفر فيه الموقع المميز من الناحيتين الاقتصادية والحربية.

2- خليج عدن إذ لا يقل أهمية عن خليج السويس من حيث موقعه الاقتصادي والحربي.

3- الخليج العربي وما يحويه من ينابيع النفط ومشتقاته.

4- وادي الرافدين وأنهاره المتدفقة وموارده الزراعية والنفطية.

لم يحسن الشريف حسين مع أمراء العرب الذين لهم حق التشاور وطرح الآراء التي تهم بلاد العرب جميعاً ومناقشتها ، سيما الإمام عبدالعزيز الذي بايعه أهل نجد إماماً لهم وسلطاناً عليهم ، ولم يقبل بدعوة سلطان نجد عندما وجه الدعوة إلى أمراء شبه الجزيرة بما فيهم الشريف حسين لمناقشة مستقبل البلاد العربية وقضاياها بعامة سيما وقد أصبحت الحرب العالمية وشيكة الوقوع.

ولعل مما أدخل الشكوك لدى الإمام عبدالعزيز في نوايا الشريف حسين ضده استئثاره بلقب ملك العرب عندما بويع في الحجاز في 2 محرم عام 1335هـ / تشرين الثاني سنة 1916م ([152]) إذ كان الإمام عبدالعزيز يرى أنه لا حق له سوى فيما يختص بالحجاز فقط ، وليس له حق التحدث باسم العرب في هذا الشأن ، ومما زاد في هذا الشأن تعقيداً أن الشريف حسين كان يبعث للإمام عبدالعزيز صرر الذهب ([153])دون أن يذكر الهدف أو السبب من إرسالها ، مما جعل سلطان نجد يحس بأنه اصبح بمنزلة التابع لمتبوعه ، وساورته الظنون في موقفه مع الحسين ، فاستشار أباه الإمام عبدالرحمن وبعض كبراء نجد وأخبرهم بصرر الذهب الإنكليزية التي وردت إليه من الحسين ، وقال سأكتب إليه فإن تكن له نية وراء المساعدة لنا تنبهنا لها وكتب إليه ما ملخصه([154]) :

" يا حضرة الوالد إنا وإياك في هذه الحرب سواء ثمرتها لنا ولك ، فقد مَشَتْ عرباننا وعشائرنا عملاً بأوامرنا إلى مساعدتكم ، ولكني أبغي أكثر من ذلك وأنني مستعد أن أرسل إليك أحد إخوتي أو أولادي ليحارب مع أولادكم ، وفي ذلك الفوز الأكبر إن شاء الله، قد يكون حدث بيننا وبينكم سوء تفاهم في الماضي فلا بد إذا من التأمينات ، وذلك بأن تحدد الحدود بيننا وبينكم فتزول الشكوك وتتضاعف من أهل نجد المساعدات".


كان جواب الشريف حسين غير مجد

أجاب الحسين على رسالة الإمام عبدالعزيز ما ملخصه: " ماذا عراك يا بن سعود ألا تعلم لأي شئ قمنا "([155]) كأنّ الشريف حسين يعتمد على ما يعرف بالبنود الخمسة ، وقد أسلفنا بأن الأخطبوط الاستعماري لا يسعى إلا وفق مصالحه وليست هذه البنود التي اعتمد عليها الشريف حسين في صالح الاستعمار ، لا من قبيل ولا من دبير ، فبينما كانت أساطين الاستعمار في تلك اللحظة قد اقتسمت بلاد العرب، وفقا لما جاء في معاهدة سايكس بيكو التي عرفت بمعاهدة (مارك سايكس ونظيره جورج بيكو) المبنية على الختل والتضليل.

وفهم سلطان نجد الإمام عبدالعزيز من جواب الشريف حسين أنه أصبح لا يشك في أنه ملك العرب ، وأن نجداً من بلاده ، وصاحب نجد من رعاياه ، وذلك ما كان عبدالعزيز يأباه ([156])، فأسرع إلى مكاشفة الحكومة البريطانية وهي المتعاقدة معه والمعترفة به سلطاناً على نجد مثل اعترافها بالحسين في الحجاز فقط([157]) ، فابلغها عزمه على أن يحدد حدود بلاده بنفسه ، فأجابه السير كوكس بما دار خلال حديث بينهما في العقيرـ إن أي حركة على الشريف حسين اليوم هي علينا ومساعدة لأعدائنا.

وألح عليه البريطاني في أن يعده عبدالعزيز وعداً قاطعاً بأن يتجنب كل ما يؤدي إلى القتال مع الشريف حسين فوعده بذلك على شرطين ([158]):

الأول: أن لا يتدخل الشريف في شؤون نجد ، وإن فعل فالحكومة البريطانية تلزم الحياد.

الثاني: كف الشريف حسين عن أن يتكلم باسم العرب أو يدعو نفسه ملك العرب.

فتعهد الوكيل البريطاني بذلك([159]).

وانتهت الحرب العالمية الأولى سنة 1337هـ –/ 1918م ، واستسلمت الحامية العثمانية في المدينة المنورة للأمير عبدالله بن الشريف حسين ، وذلك في 13 ربيع الثاني سنة 1337هـ أوائل 1919م ، وقد كتب الأمير عبدالله بن الحسين إلى السلطان([160]) عبدالعزيز بن عبدالرحمــــن آل سعود يقول : " لا يخفى على مــــدارككم أنه لم يبــــق –والحالة هذه – شاغل يشغل حكومة صاحب الجلالة – أدامه الله وأيده – عن الالتفات لإصلاح داخليتها وشؤونها ، والتنكيل بمن يسعى بالإفساد والتخريب من العشائر التابعة لها " .

وقد أجابه الإمام عبدالعزيز مهنئاً ومكرراً اقتراحه السابق في الفصل بأمر العشائر المشتركة بينهما وإن كل ما يرمي إليه هو الاستقرار والسلام([161]).

كان سلطان نجد حريصاً على تحديد الحدود بين الحجاز ونجد سيما تربة والخرمة.


تُربة – الخرمــة :

وواحتا تربة والخرمة كانتا موضع خلاف بين الإمام عبدالعزيز والشريف حسين([162]) وقد زال ذلك الخلاف بزوال عهد الشريف حسين وقيام عهد الملك عبدالعزيز واستكمال توحيد المملكة العربية السعودية على يد باني مجدها الملك عبدالعزيز ، وحجة الشريف حسين في الواحتين لقربهما من الحجاز والبادية تفصل بينهما وبين نجد([163]).

وحجة الملك عبدالعزيز أنه يفصل بينهما جبل حضن ، وحضن هو الحد الفاصل بين نجد والحجاز ، وتبعد تربه عن حضن بالجنوب بحوالي 75 كيلاً ، كما أن الخرمة تبعد عن حضن في الشرق بحوالي 50 كيلاً([164]) ، وقد أدى ذلك النزاع إلى اشتباك مسلح بين الطرفين.

ولعلنا ندرك تماماً أن النزاع على الواحتين ليس سوى جزء بسيط جداً من النزاع المستتر بين الطرفين منذ قيام الحسين بالثورة باتفاق مع الحلفاء ضد العثمانيين ، ولقد كان في المناداة بالحسين ملكاً على العرب مفاجأة لكل من بريطانيا وفرنسا ورؤساء العرب على السواء ([165]).

ويجب ألا ننسى أنَّ الشريف حسين كانت تداعبه الآمال في السيطرة على كل شبه الجزيرة العربية ، وربما على العرب جميعاً ، وكان يشعر أن خصمه البارز هو الإمام عبدالعزيز آل سعود ، سيما وقد توثقت العلاقات بينه وبين بريطانيا ، وأصبح معترفاً به سلطاناً على نجد وملحقاتها([166]).

ولم يرض الملك الحسين بتحسين العلاقات بين الإمام عبدالعزيز وبريطانيا ، ولهذا بدأ التحرش بالمناوشات على واحتي تربة والخرمة، وأخذ هذا الصراع السياسي بين الطرفين ينتقل إلى المواجهة والصدام المسلح.

وكانت الإمارة في الخرمة لآل لؤي من الأشراف قبيلة الشريف حسين من العبادلة ، وأميرها في ذات الوقت خالد بن لؤي من الأشراف بني عم الشريف حسين ، وكان من خيرة الرجال ديناً وخلقاً وأدباً ، وكان الشريف حسين يثق فيه ويعتمد عليه ، ولكن حدث أن أهين([167]) عندما كان مع الأمير عبدالله بن الحسين أثناء حصار الطائف ، وأحس بأن الأمير عبدالله لم يأخذ له الحق كاملاً ممن أهانه ، وأحس بالضغينة ، وبدأ يتحول إلى جانب ابن سعود ، وبالتالي أخذت منطقة النزاع تتحول مع زعيمها إلى جانب ابن سعود ، وكان أهل الواحتين من المؤيدين للدعوة السلفية ، وقد قامت قوات الشريف حسين بشن ثلاث غارات متوالية بهدف إرجاع المنطقة إلى نفوذ الحسين بيد أنها قد صدت وفشلت في([168]) أهدافها ، وترامت أنباء انتصار خالد بن لؤي إلى القبائل المجاورة فانضمت إليه فقويت شوكته ، ولكنه لم يستهن بالخطر المحدق به فأرسل إلى عبدالعزيز يطلب مساعدته مقابل أن يضع نفسه تحت حمايته ، وقد قطع له الإمام عبدالعزيز عهداً أن يخف إليه إذا تعرض لاعتداء جديد ، وكتب إلى الشريف حسين وابنه عبدالله محذراً المرة تلو المرة([169]).

وفي ظل تلك الهزائم المتوالية التي لحقت بقوات الشريف وعجزها عن استرجاع الخرمة كان لا بد للملك حسين أن يتحرك على نطاق واسع ؛ فأرسل إلى الخرمة حملة ضخمة قوامها سبعة آلاف مقاتل نصفهم من البدو ، وزودهم بكل التجهيزات العسكرية ، وعقد قيادة هذه الحملة لابنه عبدالله ، ودخلت الحملة تربة دون قتال يذكر، وأعلن قائد الحملة أن تربة ضمت إلى الحجاز ، وأن الملك فيها لأبيه الشريف حسين ، ووزع قواته حول المدينة ، وبدأ ينذر العشائر بالعودة إلى طاعة والده ، ثم واصل زحفه في اتجاه الخرمة([170]).

وفي ظل هذه الظروف المتأزمة على واحتي تربة والخرمة بين طرفي النزاع كانت الحكومة البريطانية تشعر بالقلق ، ورأت أن هذه الأزمة يمكن أن تضر مصالحها ، ومن ثم دعت خبراءها في البلاد العربية لعقد مؤتمر لدراسة المشكلة ، فكان من رأيهم الوقوف إلى جانب الحسين ضد عبدالعزيز بحجة أن قوات الحسين العسكرية منظمة ومسلحة تسليحاً حديثاً في حين أن قوات الإمام عبدالعزيز ليست منظمة كما أن أسلحته بدائية([171]).

ونصحت عبدالعزيز بالتخلي عن تأييد حاكم الخرمة خالد ابن لؤي ، بيد أن الإمام عبدالعزيز لم يأبه بتحذيرات الإنكليز ، بل شعر بأنه قد حان الوقت لإظهار قوته للسياسة البريطانية ، وجعلها أمام الأمر الواقع ، وإقناعها بأن له من المقومات ما يمكنه من السيطرة ليس فقط على نجد بل على أبعد من ذلك بكثير.


معركة تربة :

وقد عسكرت قوات عبدالله بن الحسين في واحة مجاورة لتربة ، وكان مطمئناً تماماً لفاعلية قدرات قواته النظامية إلى جانب شعوره بتأييد بريطانيا له ، في نفس الوقت الذي كان يستهين فيه بالقوات السعودية ، ومن ثم لم يجد ضرورة لإقامة الحراسة حول معسكره ، في الوقت الذي كان الجيش السعودي يقترب من تربة ، وبالأخص مواقع جيش عبدالله النظامي ، وفي منتصف ليلة 25 شعبان 1337هـ / 25 مايو سنة 1919م زحفت قوة سعودية من الإخوان مع قوات خالد بن لؤي (حاكم الخرمة) ، الذي أخذ على عاتقه زمام المبادرة ، وكانت قوات خالد تضم قوة من قبائل عتيبة وسبيع ، ووصلت القوات السعودية وقوات خالد إلى معسكر عبدالله بن الحسين([172]) بينما كان جنوده نياماً ، ونجحت القوات السعودية وقوات خالد في السيطرة على المعسكر المعادي سيطرة كامله أوقعت في صفوفه الفوضى ، مما جعل زمام الموقف العسكري يفلت تماماً من قيادته ، واستولت القوات السعودية على غنائم حربية ، وبذلك كسر الإمام عبدالعزيز قوة الجيش الرئيسي ، وأصبح الطريق مفتوحاً أمامه إلى الطائف ، إلا أن ابن سعود رأى أن الظروف غير مواتية للتقدم أكثر مما حصل فأمر بلزوم التريث([173]).

وبعد هذه المعركة الفاصلة أصبحت قوات سلطان نجد الإمام عبدالعزيز هي القوة المتفوقة في شبه الجزيرة ، مما ترتب على ذلك ارتفاع سمعة الإمام عبدالعزيز ، بينما شعر الشريف حسين بالتخاذل وخيبة الأمل بعد هزيمة جيشه النظامي في وقعة تربة([174]).

وفي الوقت ذاته تلقى الإمام عبدالعزيز إنذاراً من بريطانيا بتاريخ 5 رمضان 1337 / 4 يونيو 1919م تمهله وقتاً قصيراً لجمع جيشه والعودة به إلى نجد ، فلم يجد الإمام عبدالعزيز بداً من النزول على الأمر الواقع.

ومن وقتئذ بدأ الإنكليز يدركون حقيقة قوة سلطان نجد ، وأن الطريق أصبح مفتوحاً أمام القوات السعودية نحو مكة والمدينة([175]). بينما تضاءل تأييد بريطانيا للملك حسين بعد هزيمة جيشه في تربة. وحصل هدوء نسبي طوال عامي 1337– 1338هـ / 1919–1920م بناء على وساطة بريطانيا بين الطرفين.

وفي عام 1339هـ / 1921م حصل اعتداء على الحدود الحجازية من أتباع سلطان نجد ، إيماناً منهم بمجابهة الشريف حسين ، ورداً على ذلك منع الشريف حسين النجديين من أداء فريضة الحج في ذلك العام ، ثم أذن لهم بالحج في العام الثاني تحت ضغط الإنكليز ، بناء على إلحاح سلطان نجد الإمام عبدالعزيز.

ولكنه عــــاد فمنعهم مرة أخرى بحجة أنهم مشاغــــبون ويعملون على إثـــارة القلاقــــل في الحجاز ، وقد عقدت مؤتمرات([176]) عدة للتوفيق بين الشريف حسين وأبنائه من جهة وبين سلطان نجد من جهة أخرى ، بعد أن أنشئت مملكة العراق تحت حكم فيصل بن الشريف حسين ، وإمارة الأردن تحت حكم ابنه الأخر عبدالله بن الحسين ، كان قطب رحى هذه المؤتمرات الإنكليز منها معاهدة المحمرة عام 1340هـ / في مايو سنة 1922م ، ومنها مؤتمر الكويت عام 1341هـ / 1923م بهدف تسوية الخلاف نهائيـــاً بين أطراف النزاع ، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل لما يريده الله تبارك وتعالى من تحقيق الوحدة في هذه الجزيرة ، التي عانت من التفكك والبؤس والتشرذم والجهل ، سيما وقد أقام هذا الكيان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه([177]).


سقوط الطائف ومعركة الهدا :

وفي 6 صفر سنة 1343هـ / 6 سبتمبر سنة 1924م تحرك الجيش السعودي من تربة صوب مدينة الطائف فاستولى عليها بسهولة ([178]).

ثم اشتبك الجيش السعودي مع الجيش الحجازي بعد دخول الطائف في معركة الهدا غرب الطائف ، وانتصرت فيها القوات السعودية وذلك في 26 صفر سنة 1343هـ / 1924م ، وانسحبت القوات الحجازية إلى بازان في أعالي مكة.

واضطربــــت الحالة في الحجاز لظهـــــور عجز جيشـــها ، ورأى الشريف حسين وكبــــار الأشراف في مكة الانسحــــاب من مكـــة إلى جدة ، إلا أن هذا الإجراء لم يحســــن من الحالة السيئة التي وصلت إليها البلاد ، كما أنه لم يبعد خطر السعوديين عنهــــا ، ولذا رأي أعيان أهــــل الحجاز ضرورة تنــــازل الشريف حسين عن العرش لابنـــــه علي ظناً منهم أن هذا الإجراء سيضع نهايـــة للحرب وعودة الجيش السعودي إلى نجد ([179]).






تنازل الحسين عن العرش

وأجبر الشريف حسين على التنازل عن العرش ، وأضطر إلى مغادرة جدة إلى العقبة وذلك في 24 ربيع أول 1343هـ / أكتوبر 1924م وقد توفي في عمان – رحمه الله – عام 1931م

وفي 5 ربيع أول عام 1343هـ / أكتوبر 1924 بويع الأمير علي بن الحسين ملكاً على الحجاز في ظل نظام دستوري ، تعاونه هيئة مؤقتة لمراقبة أعمال الحكومة ، وأخذ الملك علي الذي انتقل إلى جدة وتحصن بها إلى مواصلة الحرب ، بينما أخذ الجيش السعودي يواصل زحفه إلى مكة ويتقدم إلى جدة لمحاصرتها ([180]).

وهكذا استطاع السلطان عبدالعزيز الاستيلاء على مكة بدون إراقة دماء ، مما ترك أثراً حسناً في نفوس العالم باعتبار مكة قبلة للمسلمين ، لا يحل فيه القتال كما هو حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه فيما معناه " أحلت لي ساعة من نهار ولم تحل لأحد بعدي .. " .

وحاول الملك علي الصلح مع السلطان عبدالعزيز فلم يتفق ، وربما – ولله الحمد – أن في ذلك خيراً وجمعاً للكلمة وتوحيد الأمة .

وفي جمادى الآخر عام 1343هـ / يناير 1925م حاصرت الجيوش السعودية جدة، ولم يلبث أن عجز الملك علي عن مواصلة الدفاع عن جدة ، فتوسط المعتمد البريطاني المستر غوردون الذي اتفق مع السلطان عبدالعزيز على شروط التنازل ، بمقتضاها غادر علي بن الحسين الحجاز في 22 ديسمبر 1925م / جمادى الآخر 1344هـ وبهذا انتهى حكم الأشراف في الحجاز([181]).

وفي 22 جمادى الآخر سنة 1344هـ عقد مجلس في مكة ضم 60 عيناً من أعيان المدينتين مكة وجدة من الشخصيات المرموقة ، ومن أصحاب الكلمة والرأي ، وتقرر بإجماع الآراء مبايعة السلطان عبدالعزيز آل سعود ملكاً على الحجاز .





توحيد تهامة عسير (جازان) في إطار بناء المملكة العربية السعودية :

قامت إمارة الأدارسة على يد مؤسسها([182]) محمد بن علي الإدريسي بتهامة عسير (المخلاف السليماني) على أنقاض التراث الروحي الذي خلفه له جد الأسرة الأعلى أحمد بن إدريس المغربي ، الذي كان قد انتقل من المغرب (القــــيروان) إلى مكة عام 1214هـ ، ومكث بها مجاوراً نحو ثلاثين عاماً ، ثم توجه إلى تهامة لزيارة بعض تلاميذه ومريديه ، وأخيراً استقر به المقام في صبيا سنة 1245هـ في إمارة علي بن مجثل (أمير عسير وقتئذ) ، فسمح له بالإقامة في صبيا ، وفرض له مقرراً شهرياً من عائدات ثغر جازان ، ورغم مغايرة طريقته وعقيدة الأمير علي بن مجثل فقد أخذ في نشر طريقته الصوفية حتى وفاته سنه 1253هـ ، وقد ولد حفيده مؤسس إمارة الأدارسة محمد بن علي بن محمد بن أحمد الإدريسي سنة 1293هـ بصبيا ، ونشأ في حجر والده نشأة دينية، ثم اتجه إلى حفظ القرآن الكريم فحفظه عن ظهر قلب ، ثم أخذ في فنون العلوم الدينية واللغوية على علماء بلده منهم شيخه سالم بن عبدالرحمن باصُهيْ بمدينة صبيا، ثم التحق بجلسات العلامة إسماعيل بن حسن عاكش وغير أولئك من علماء بلده ، ثم سافر لطلب العلم إلى مصر فالتحق بالجامع الأزهر


 

رد مع اقتباس