نساء يضعن الحناء على أغنامهن احتفاء بعيد الفطر في المدينة المنورة

لم تطغ تغيرات الحداثة العصرية ومواكبة التحولات الزمنية والتطور على مظاهر العيد القديمة في المدينة المنورة، إذ لا يزال الأهالي يحتفلون بقدومه مستحضرين تلك العادات في "كرنفال شعبي"، كما تقوم نساء البادية ليلة العيد بوضع الحناء على أيديهن وعلى رؤوس أغنامهن ذات اللون الأبيض احتفالاً بقدوم العيد.

وقال الدكتور تنيضب عوادة الفايدي الباحث في تاريخ المدينة المنورة: "إن مظاهر العيد في المدينة المنورة تبرز مبكراً قبل نهاية شهر رمضان المبارك، حيث تهيئة المنازل والشوارع، كما أن كل أسرة تهيئ لأفرادها الملابس الجديدة وما يُظهر استبشارا بهذا العيد اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم". وأضاف أن فرحة العيد تعمّ الجميع كباراً وصغاراً، حيث يتوجه الناس منذ منتصف ليلة العيد إلى المسجد النبوي الشريف مصطحبين معهم الأولاد، مرتدين أنواعاً وألواناً مختلفة من اللباس لأداء صلاة عيد الفطر، وبعد الصلاة يتوجهون لزيارة الأقارب لتبادل التهاني والمعايدة، وعصراً يذهبون إلى رؤية الاحتفالات التي أقيمت بمناسبة العيد.

ويبّين أنه نظراً لوفرة نقود "العيدية" مع الأطفال التي جمعوها من الأقارب والأهل والأصدقاء، فإنهم يزيدون الحركة في اللعب والتنقل بين الدكاكين حيث يلعبون ويشترون أنواعاً من الأطعمة التي تباع خاصةً في موسم العيد، مشيراً إلى أن تجمعات العيد لها نظام، مثل إقامة مهرجان للعيد وكان قبل عدة عقود يقام في باب الكومة، حيث توجد المراجيح باختلاف أنواعها وتصلح لمختلف الأعمار بدءاً بالمراجيح الكبيرة وانتهاء بـ "هزي مركب".

ويضيف الفايدي أن العربات المزركشة التي تجرها الأحصنة والبغال والحمير تستهوي الأطفال ليركبوها إلى مسافات ليست بعيدة، وهي عربات مزركشة بمختلف الألوان. ويزيد الموقف جمالاً الأناشيد التي يرددها الأطفال، أما الحمير في العيد فلها قصص مختلفة، وهذا الاختلاف يأتي في السعر "أي ما يدفع في المشوار الواحد" وذلك حسب المسافة، وحسب (زركشة) الحمار، وحسب أصله - إن كانت للحمير أصول – وكانت أنواعها ترتبط باسم بعض القبائل والمحافظات.

وقال: "كان هناك ألعاب شعبية يمارس بعضها وإن لم تكن له علاقة بالعيد ومنها المزمار وهي لعبة رجولية خطرة لها قوانين وقواعد، وتتم ممارستها في العيد وبعض المناسبات الأخرى كالزواج، وتستخدم العصا والرقص على قرع الطبول حول النار وقد يتسبب الخطأ في هذه اللعبة إلى مشاجرات وإسالة الدماء.

وأضاف الدكتور تنيضب الفايدي أن من الألعاب التي كانت تمارس في العيد وغيره ألعاب الكُبوش، والحجاج، وطبطب، والدَّحل (البرجوة) والمزويقة (المرصاع) والكبت، وطيري (الغميمة) وعُصفر، واصطففت، والطاقية، و(طاق .. طاق .. طاقية) والبِربِر، أم الخمسة، التزقير، وشيخ الأرض (وله اسم آخر الطاب)، والضاع، وعظم وضاح ( عظيم ضاح). ولفتا إلى أن مهرجان العيد وما يقدم فيه وإن كان أساساً للأطفال إلا أنه يجمع الناس على الحب والتآلف والتواصل والتراحم والتزاور والتقاء القلوب.

أما عيد البادية في المدينة المنورة قديماً فتقول أم علي (في العقد التاسع من العمر) عنه: إن العيد في البادية كان له مظاهر وملامح اندثرت منذ عقود، حتى البادية نفسها باتت الآن تفتقدها ولم تعد موجودة، وأشارت إلى أن المنازل كانت عبارة عن بيوت شعر وكانت حلوى العيد حينها عبارة عن الأرز بالسمن تقوم كل فتاة من الفتيات غير المتزوجات برعي الأغنام صبيحة العيد وتأخذ معها إناء من الأرز يأكل منه كل من يعايدها من المعارف والجيران أثناء رعيها للأغنام.

وأضافت أن نساء البادية يقمن ليلة العيد بوضع الحناء على أيديهن ويضعنها على رؤوس أغنامهن ذات اللون الأبيض احتفالاً بقدوم العيد، وقالت إن الرجال صبيحة العيد يقومون برمي الملح دون الرصاص بالبارود، وقالت أم علي إنه رغم مشقة الحياة وصعوبة التنقل الذي يفتقد وسائل المواصلات في تلك الحقبة من الزمن